[أمر ولاة الأمور بالرفق بالرعية وقضاء حوائجهم]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم، والشفقة عليهم، والنهي عن غشهم والتشديد عليهم، وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم.
قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:٢١٥].
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته) متفق عليه].
يقول الإمام النووي رحمه الله: (باب أمر ولاة الأمور بالرفق) أي: من يتولى أمور المسلمين من حكام ونحوهم يؤمرون بالرفق بالرعية، وبالنصح والشفقة عليهم، والنهي عن غشهم، والتشديد عليهم، أي: أن ينهوا عن أن يشددوا على الناس، وعن أن يغشوا الناس ويهملوا مصالحهم، أي: ينهون عن أن يهملوا مصالح الناس، وأن يغفلوا عنهم وعن حوائجهم.
ذكر قول الله سبحانه: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:٢١٥].
هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو من هو! فهو بالمؤمنين رءوف رحيم، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧] ومع ذلك يأمره سبحانه حتى يقتدي به من يأتون من بعده، فهو يحكم المسلمين بشرع رب العالمين فيأمره سبحانه: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:٢١٥].
وخفض الجناح يعني: اللين والتواضع، وأن يكون فيك حنان على المؤمنين ومودة ورحمة بهم، تضمهم إليك كما يضم الطائر أفراخه إليه.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين.
كذلك كل إنسان يتولى أمراً من أمور المؤمنين كأن يكون عليهم حاكماً أو عريفاً، أو يكون على بعضهم أميراً فعليه أن يرفق بهم، وأن يكون رحيماً بهم، وأن يعلمهم وينصحهم ولا يهمل مصالحهم.
قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].
فالله يأمر عباده بالعدل بين أهليهم وبين أقاربهم وبين الناس، وما ولوا من ذلك شيئاً يأمرهم ربهم سبحانه وتعالى بالعدل، والعدل: أن تعطي كل إنسان حقه الذي شرعه الله سبحانه وتعالى.
والإحسان: أن تزيد رحمة وحناناً من عندك وأن تعطي من فضل ما عندك فتحسن إلى الناس، كما أن الله يأمر بإعطاء ذي القربى، والأقربون أولى بالمعروف، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ابدأ بنفسك وابدأ بمن يليك).
قال تعالى: {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل:٩٠] أي: الفحش في القول، والفحش في الفعل، فالله ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وهذه موعظة من الله سبحانه وتعالى، (يعظكم) أي: ينصحكم ربكم سبحانه، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠] أي: لعلكم تتذكرون مواعظ الله سبحانه فتعملون بمقتضاها.
من الأحاديث التي جاءت في هذا الباب: ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) يعني: كل مؤمن هو راع فيما ولاه الله عز وجل عليهم سواء كان رجلاً أو امرأة، فإذا كنت ترعى شيئاً فقد جعلك الله عز وجل قائماً عليه، فأنت مسئول عنه أمام الله سبحانه، ثم فصل بعدما عمم، فقوله: (كلكم) من صيغ العموم، ثم خصص ونص صلى الله عليه وسلم على بعض أفراد هذا العام، قال: (الإمام راع ومسئول عن رعيته) الإمام هنا بمعنى: الحاكم، و (مسئول): بحيث يأتي يوم القيامة ويسأل: ما الذي فعلت مع الرعية؟ فبدأ بالقائد بالإمام.