شرح حديث: (ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه)
ومن الأحاديث التي في الباب: حديث عمر بن سعد الأنماري رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر) أو كلمة نحوها.
فالأمر الأول وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مال عبد من صدقة) يقسم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وهو الصادق المصدوق من غير أن يحلف، فنحن نصدق كلامه صلوات الله وسلامه عليه، ولكنه أقسم ليؤكد أن إنفاق المال لا يضيع ولا ينقص المال.
والأمر الثاني: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزاً) فهذا العبد يظلم ويصبر على هذا الظلم، وقد يكون قادراً على الدفع، فله عند الله عز وجل الأجر، لكن الإنسان المؤمن لا يذل نفسه ولا يهينها، فلا يعرض نفسه للبلاء، فإذا جاءه البلاء من الله صبر عليه، بحيث لا يكون هناك تفريط في دين الله سبحانه.
فالله عز وجل أمر المسلمين بالجهاد في سبيله لإعزاز دينه، فإذا كان الإنسان يتهاون في مصلحة نفسه، ولا يتهاون في أمر دين رب العالمين سبحانه، فهذا هو التواضع.
والأمر الثالث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر) أي: أنه يمد يديه للناس فيسألهم ويطلب منهم أن يعطوه ويسلفوه ولا يرد لهم السلف، فهذا فتح على نفسه باب الفقر.
وأعظم الفقر الذي يبتلى به الإنسان وأشنعه فقر النفس، حيث يشعر أنه فقير وأنه لا يجد شيئاً، وقد يكون عنده نقود كثيرة جداً، ومع ذلك يستشعر أنه محتاج لكل الناس، وإن كان المال الذي عنده كمال قارون، فشعر أنه فقير وأن ماله سيضيع يوماً من الأيام، فيريد مالاً فوقه، وكلما حصل مالاً فتح الله عز وجل عليه أبواب الفقر.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل) أي: من رزقه الله مالاً وعلماً فعمل بعلمه في ماله، فهو بأفضل منزلة في الدنيا وفي الآخرة.
ولذلك جاء في الحديث الآخر: (فسلطه على هلكته في الحق) يعني: أنفق هذا المال في صلة الرحم وفي إعطاء الفقراء والمساكين والمحتاجين، أي: أنفق المال في حقوقه.
ثم قال: (وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء) أي: هذا الرجل ليس فقيراً ولكنه عالم، ويتمنى لو أن الله أعطاه مالاً لعمل به كعمل الأول، فهما في الأجر سواء، ويدخلان الجنة وإن كان الفقير يدخل قبل الغني، فهو مثل الغني في أفضل المنازل بنيته الحسنة، وبفقره كان أسرع لدخول الجنة من الغني.
ثم قال: (وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل) وهذا إنسان جاهل معه مال، وكلما تأتيه مناسبة من المناسبات فإنه ينفق ماله في وجوه الشر والحرام.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
أي: أن هذا رجل فقير ونوى لو أن معه مالاً لعمل به المعاصي والفواحش، فإن وزره يكون كوزر من ملك مالاً وعمل به المعاصي.