للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إخلاف الله تعالى على المنفقين]

ذكر المصنف باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى.

الثقة بالله عظيمة، المؤمن واثق في الله، ووعد الله حق، لا يخلف الله الميعاد، فإذا قال: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:٣٩] فيقيناً أنه يخلفه سبحانه وتعالى، والمسلم يعتقد ذلك يقيناً ويقسم على ذلك، فإن الله عز وجل هو الذي وعد بذلك، والله لا يخلف الموعد أبداً.

فهنا في هذه الآية قال سبحانه: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:٣٩] فأنفق ولا تخف فربنا سيخلف غيره، على شرط ألا يكون في الإنفاق سرف أو يكون الإنفاق في غير محله، فما كان واجباً عليك فأخرجه، ولا تنظر للنافلة وتترك الفرض الذي عليك! لا يجوز للإنسان الذي عليه زكاة مال أن يقول: أخرج صدقة بدل زكاة المال، فزكاة المال فرض عليك، فأخرج أولاً زكاة المال، ثم بعد ذلك أنت حر فتصدق أو لا تتصدق، ولكن الزكاة فرض عليك، والإنسان يجب عليه أن ينفق على عياله ولا يترك عياله جائعين وليس عندهم كسوة، ويصرف على إنسان غريب وعياله يحتاجون إلى ذلك، فأهل البيت أولى.

النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ابدأ بنفسك، وابدأ بمن تعول)، فتبدأ بنفسك وتبدأ بأقاربك الذين تعولهم ثم بعد ذلك أعط الغريب، ولذلك النفقة على القريب فيها أجران، صلة وصدقة، والنفقة على الغريب صدقة فقط، فالنفقة على القريب أعظم أجراً منها على الغريب.

قال سبحانه: {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [البقرة:٢٧٢].

(وما تنفقوا) يعني: مهما أنفقتم من النفقات في خير: (فلأنفسكم) يعني: نفعها لأنفسكم.

وقال الله: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:٣٧].

الإنسان الذي ينحر الذبائح في الهدي وفي الضحية وغيرها هل ربنا سيستفيد منها شيئاً؟ {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا} [الحج:٣٧] لن ينال الله سبحانه وتعالى هذه اللحوم، ولن يأكلها، ولن ينتفع بذلك حاشا لله سبحانه، ولكن ما هو الذي يصل إلى الله؟ الذي يصل إلى الله التقوى، يرفع إليه العمل الصالح، التقوى ترفع إليه لتؤجروا أنتم على هذه التقوى من فضل الله سبحانه.

وهنا قال: {وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} [البقرة:٢٧٢].

يعني الأصل أنك لا تنفق نفقة إلا وأنت مستحضر أن هذه لله ليست رياءً ولا سمعة، ليس لأن يقول الناس فلان أنفق أو يلقبوه بالجواد والمنفق، ولكن ينفق ليبتغي وجه الله سبحانه: {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} [البقرة:٢٧٢].

سيعطيك الله على الشيء الذي أنفقته عشرة أضعافه، بل لو لم تنفق أخذت مثله، أنت نويت النفقة ثم بدا لك أنك محتاج لهذا المال، أو بعدما جئت لتتصدق تذكرت أن عليك ديناً وقضاء الدين أفضل، فلم تنفقه وأرجعت المال إلى جيبك، فالله عز وجل يؤجرك وكأنك أنفقت هذا المال! انظر إلى كرم ربك سبحانه وتعالى، أنت لم تفعل وأعطاك الأجر كأنك فعلت، فالله يوفي لك المكيال، يعطيك ليس مثل الذي أنت عملته فقط، بل أوفى وأوفى وأفضل.

(وأنتم لا تظلمون) يعني: والحال أنكم لا تظلمون من الله عز وجل.

وقال تعالى: {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٧٣] فإذا علم ذلك فهو يخلف عليك ويؤجرك عليه.