عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة)، والخصاصة: هي الجوع.
يعني: أن فقراء المهاجرين الذين يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقعون على الأرض وهم في الصلاة من الجوع، والأعراب لا يدرون لماذا وقع هؤلاء؟ فيقولون: إن هؤلاء مجانين، مع أنهم ليس بهم شيء من الجنون، ولكن من شدة الجوع ومن التعب يخر أحدهم ويغشى عليه، فيطمئنهم صلى الله عليه وسلم ويقول:(لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى)، يعني: لو تعلمون ما أعد الله لكم بسبب الفقر الذي أنتم فيه، والصبر الذي تكابدونه (لفرحتم بذلك وتمنيتم أن تزدادوا فاقة وحاجة).
والرسول صلوات الله وسلامه عليه لو كان عنده شيء لأعطاهم، فهو عليه الصلاة والسلام ما كان يبخل بشيء أبداً، وإنما كان يعطي ما عنده، ولعله يستدين ليعطي الناس، ولكن هنا لم يجد ما يعطيهم صلى الله عليه وسلم، فكان يطمئنهم صلى الله عليه وسلم يخبرهم أن لهم الأجر العظيم عند الله سبحانه وتعالى، ويقول لهم:(ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تفتح عليكم كما فتحت على الذين من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم).
فما كان يخشى عليهم الفقر؛ لأن الإنسان إذا كان فقيراً فسيعبد ربه سبحانه، ويصبر على هذا الشيء بتوفيق الله عز وجل، لكن لو فتحت عليه الدنيا، فإنه سينسى نفسه، وينسى فقره، ولا يعطي الحقوق لأصحابها، ولا يعطي حق الله عز وجل في هذا المال، وقد تغره الدنيا فينسى الواجب عليه حتى يموت على ذلك والعياذ بالله.