[شرح حديث: (والإثم ما حاك في النفس)]
وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس) حديث في صحيح مسلم.
يبين لنا صلوات الله وسلامه عليه قاعدة ذهبية عظيمة، والبر: كلمة تجمع جميع وجوه الخير، وحصرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (البر حسن الخلق).
فإذا حسنت خلقك كنت من أهل البر، والإنسان يتعجب ما علاقة حسن الخلق بالبر؟! إن من حسن الخلق أن يحسن الإنسان خلقه في معاملته مع ربه، وفي معاملته مع الناس، وفي معاملته مع أهل العلم، وفي معاملته مع الشيخ الكبير والطفل الصغير، ومع أهل بيته.
وحسن الخلق يجعل الإنسان متواضعاً، فإذا تواضع لن يستكبر على طلب العلم، فيطلب العلم من الصغير ومن الكبير ومن أهله، فهو يريد وجه الله، فإذا به بحسن خلقه يكون قريباً من الناس، فإن أخطأ في شيء وقالوا: هذا خطأ؛ يجتنب هذا الخطأ، وإذا وجدوه على شيء من الأمور الذي قد ينحرف بها سرعان ما يرشدونه؛ لأنهم يحبونه، فهو محبوب من الله محبوب عند الخلق.
فبحسن خلقه يرشده الله عز وجل، ويدله على الخير، ويتقرب الناس إليه، ويدعون له وينصحونه ويفيدونه ويستفيدون منه، فحسن الخلق جمع كل الخير، فصار كريماً مع الناس؛ لأن الكرم من حسن الخلق، وصار رحيماً شفوقاً عطوفاً على الناس، فيكون أنفع الناس للناس، وأحب الناس إلى الله أنفعهم للناس.
وحسن الخلق يدفع الإنسان إلى أن يبحث عن وجوه الخير ليفعلها؛ لأنه يريد أن يكون رحيماً، وأن يكون جواداً، وكريماً وشجاعاً، وأن يكون متقدماً على غيره في طلب العلم رضاً لله سبحانه، وأن يتنافس في فعل الخير، فحسن الخلق مفتاح البر.
قال صلى الله عليه وسلم: (والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس).
الإثم ليس عصياناً ظاهراً يعرفه الإنسان، وكل إنسان يعرف المعصية الظاهرة، فالإثم فيه كبائر الذنوب، وفيه الموبقات، وفيه صغائر الذنوب، وفيه الشرك الخفي والشرك الجلي، ولكن هذه الأشياء يعرفها الإنسان المسلم، واللص يأتي كبيرة من الكبائر ويتوارى عن الناس ويسرق، ولكن بينه وبين الله يستحل المحارم ولا يخاف؛ لأنه لا يستحضر مراقبة الله عز وجل له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإثم ما حاك في نفسك)، فأي إثم تريد أن تعمله وحاك في نفسك وتردد، أو كرهت أن يراك الناس على ذلك، فهو إثمٌ ينبغي لك أن تجتنبه.
إذاً: الشيء الذي تفعله أمام الناس وأنت في غير حرج فهذا ليس من الإثم، طالما أن الفطرة نقية والقلب سليم، ولكن عندما تنعكس الفطر والقلوب وتنتكس فإذا بالمرء يتبجح ويقول: ليس في ذلك حرج أن أعْمله أمام الناس، فيسرق أمام الناس، ويزني أمام الناس، ويضايق البنات أمام الناس، ويتبجح بهذه المعصية، فهو يعرف أنها معصية، فهذا الإنسان قد صار المعروف عنده منكراً، والمنكر عنده معروفاً، فأصبح قلبه مظلماً لا يتبين له الخير من الشر، وإذا مات على ذلك صار من أهل الجحيم، والعياذ بالله؛ لأنه إنسان ظالم لنفسه ظالم لغيره.
لكن الإنسان المؤمن في قلبه ما يدله على أن هذا خير فيفعله، وأن هذا شر فيجتنبه.