وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى).
وهنا الزيارة لم تكن لمصلحة، فلم يذهب إليه من أجل أن ينتفع بجاه أو بمال أو من أجل أن يطلب منه شيئاً أو يرد إليه جميلاً فعله، وإنما كانت زيارة في الله سبحانه.
لذلك الذي يزور أخاً له في الله، عليه أن يبتغي الأجر قبل أن يبتغي أنه سيجد هذا الإنسان وهل سيسمح له أو لا؟ وهل سيقابله أو لا؟ وهل سيضيفه أو لا؟ فلا ينظر لهذا كله، ولكن ينظر لأنه يحبه في الله سواء قابله أم لم يقابله، {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا}[النور:٢٨]، فيرجع وهو سليم الصدر من ذلك، ولكنه وفى بأن زاره في الله عز وجل.
(فذهب هذا الرجل فأرسل الله تبارك وتعالى على مدرجته)، والمدرجة: الطريق، أرسل الله عز وجل ملكاً في الطريق رصداً لهذا في صورة إنسان، وقال لهذا الرجل الذي ذهب يزور أخاً له إلى قرية أخرى، (أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية).
قال:(هل لك عليه من نعمة تربها عليه)، يعني هل جئت من أجل أنه صنع لك جميلاً جئت ترب هذه النعمة وتقوم بها وترد له الجميل؟ (فقال له: لا، غير أني أحببته في الله)، يعني زيارة خالصة لا أريد منه شيئاً إلا إني أحبه في الله.
فقال له هذا الملك:(فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه).
والحب في الله عز وجل شيء عظيم يجعل الإنسان يؤثر أخاه على نفسه، ويحافظ عليه كمحافظته على نفسه وأكثر، وينصحه في الله عز وجل، كما ينصح لنفسه ولولده ولأهله، لأنه يحبه في الله.
وإذا مات هذا الإنسان فإن أخاه في الله يذكره، وينظر في أمره وفي دينه ويستغفر له، ويذكر قديم عمله، فيسأل الله عز وجل له رحمته.
والأخ في الله ينفع أخاه في كل وقت إلى أن يدخل معه الجنة، بل ينفعه بعد دخوله الجنة أيضاً، فلعل هذا يكون منزله في الجنة عالياً، وأخاه في منزلة دونها بكثير، فيشفع له عند الله، فيرفعه درجات في الجنة، وهذا إذا كانت المحبة لله عز وجل، وليس لطلب شيء.