كذلك مما منع النبي صلى الله عليه وسلم منه: النعي الجاهلي، فقد كان أهل الجاهلية إذا مات منهم الميت قام إنسان فينادي في وسط الناس، ويمر على القبائل وينادي ويقول: نعائي فلان، نعائي فلان.
أي: أنعي فلاناً الذي توفي، وأظهر خبر وفاته، وقد يزيد على ذلك بأن فلاناً من صفاته كذا وكذا، فيمدح فلاناً هذا.
فهذا هو نعي الجاهلية، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
والنعي لغة: هو الإخبار عن موت إنسان؛ وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم عندما أخبر عن موت بعض أصحابه، فقد أخبر عن موت النجاشي، وأخبر عن موت الثلاثة الأمراء الذين كانوا في غزوة مؤتة، فنعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، وقال: أخذ الراية فلان فقتل، ثم أخذ الراية فلان فقتل، ثم أخذ الراية فلان فقتل، ثم ذرفت عيناه عليه الصلاة والسلام، فهو كان يدعو لهم ويخبر أصحابه حتى يستغفروا ويدعوا لهم، ويعلمهم بما آل إليه خبرهم.
فنعي النبي صلى الله عليه وسلم هنا بمعنى الإخبار، ومثل هذا جائز، فإنه إذا توفي إنسان فذكرنا في المسجد أنه توفي فلان من أجل أن يجتمع الناس في صلاة الظهر، أو في صلاة العصر فيصلون عليه، فلا مانع من ذلك.
أما النعي بأن يخرج المنادي وينادي في الناس: بأن فلاناً الذي توفي هو الذي قريبه فلان، والذي صفته كذا، والذي فيه كذا، والذي كان كذا، ويذكر له من المدائح أشياء، لعل أكثرها يكون كذباً، وقد يكون صادقاً، ويظهر أن له منصباً وله أهمية ما، وماذا سينفعه المنصب والأهمية عند الله عز وجل؟ وإنما الذي سينفعه أن يدعو له المسلمون، ويصلي عليه الموحدون الذين يعرفون الله سبحانه فيشفعهم الله عز وجل فيه.
أما الذين يذكرون فلاناً الذي كان كذا والذي كان كذا، فإن المنصب لا ينفعه عند الله، بل يكون أدعى لشدة الحساب على هذا الإنسان عند الله سبحانه وتعالى.
إذاً: فنعي الجاهلية هو: الإظهار في كل مكان -في الأسواق وفي غيرها- موت فلان من الناس؛ من أجل تكثير الناس، كمظهر من المظاهر.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسل عن ذلك، فأما إخبار المسلمين بذلك بغرض أن يترحموا عليه، ويدعوا له، ويستغفروا له، وأن يحضروا لصلاة الجنازة عليه، فهذا هو النعي الجائز الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم.