عن أم ثابت واسمها كبشة بنت ثابت أخت حسان بن ثابت، شاعر النبي صلى الله عليه وسلم قالت:(دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من في قربة معلقة قائماً)، وهذه الصحابية بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من فم القربة وكأن القربة، كان فيها ماء قليل فشرب النبي صلى الله عليه وسلم منها، أو ليبين أن النهي عن ذلك مع عدم الحاجة إليه، ومع الحاجة إليه إنما هو للتنزيه لا للتحريم.
ولذلك الإمام النووي قال تفقهاً: بيان أنه كراهة تنزيه لا تحريم، يعني: المنع بقولنا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، الأصل فيه أنه على التحريم، لكن كونه نهى عنه وفعله صلى الله عليه وسلم دل على صرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة فقط.
وهنا شرب النبي صلى الله عليه وسلم من فم القربة وهو قائم عليه الصلاة والسلام.
فدل على أن الأحاديث التي جاءت في النهي عن الشرب من فم السقاء إنما هي للكراهة فقط، ومثله النهي عن الشرب قائماً فهو للكراهة أيضاً.
قالت:(فقمت إلى فيها فقطعته) وهي إنما فعلت ذلك لأن أثر فم النبي صلى الله عليه وسلم كان على تلك القربة، فهي تريد أن تحتفظ بهذا الشيء لنفسها فقط، فقطعت فم القربة حتى يبقى أثر النبي صلى الله عليه وسلم معها فتشرب منه كلما أرادت الشرب، ولتحظى من ذلك ببركة من أثر النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرنا قبل ذلك أنه يجوز التبرك بآثار النبي صلوات الله وسلامه عليه، والراجح في ذلك أنه لا يلحق به غيره، فلا يقاس على النبي صلى الله عليه وسلم غيره في ذلك.
يقول النووي رحمه الله:[إنما قطعتها لتحفظ موضع فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتبرك بها، وتصونه عن الابتذال] يعني: أن تصون هذا الموضع من احتمال وقوعه على الأرض ووطئه بالأقدام، وهذا نوع من أنواع إكرامها للنبي صلى الله عليه وسلم.
يقول النووي رحمه الله:[هذا الحديث محمول على بيان الجواز] أي: محمول على بيان جواز الشرب من فم القربة إن احتاج إلى ذلك، أو الشرب قائماً إن احتاج إلى ذلك.