وعنه - أي أبي هريرة - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)، السجن هو المكان الذي يسجن فيه الإنسان أو يحبس، ففي الحديث بيان أن الدنيا دار حبس للمسلم والسجن عادة ما يكون فيه زنزانة وأغلال وقيود يوثق بها الإنسان فلا يأخذ حريته فيها، فيه يُقدر على السجين الطعام والشراب والحركة، فالمسجون فيه في ضيق.
كذلك الدنيا بالنسبة للإنسان المؤمن فإنه في الدنيا لو تتبع الحرام سيأخذ ويأخذ ويأخذ ولكنه يحجم عن كل هذه الأشياء؛ لأنها حرام، أما الإنسان الفاجر فتجده يقول ساخراً: كل شيء حرام حرام! أنتم بصنيعكم هذا ستحرمون علينا كل شيء! لأنه لا ينظر إلى الآخرة ولا يتمنع عما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، إنما يريد أن يحصل على الدنيا فحسب، فلذلك هي جنة للإنسان الكافر، والفاجر الذي يسافر إلى دول أوروبا فإذا رجع يقول عنها إنها جنة، وكذلك من يسافر ليعمل في أمريكا يقول عنها إنها جنة، هناك تلقى البساتين والأنهار والحدائق وكل ما تتخيله، كما أن العامل في اليوم لو استؤجر بعشرة دولار، فإنه منها يأكل ويشرب ويجمع أيضاً، ولكنها جنة الكافر الذي يعيش فيها، أهلها قد أصبحوا مبرمجين على السعي نحو الأعلى.
إذا حصل أحدهم على مكان وكان أمامه مكان أحسن منه، فإنه يلزم نفسه بعمل أكثر؛ من أجل أن يصل إلى الأعلى، وإذا وصل إلى الأعلى ثم رأى مكاناً أفضل منه عمل لأن يصل إلى المكان الآخر، فحياته في دوامه تدور به، فتجدهم يأكلون ويشربون وهم يتحركون في أعمالهم، إذ ليس عندهم وقت للأكل والشرب، يطمع أحدهم في الدنيا فكلما أخذ شيئاً طلب ما هو أعلى منه.
أما المؤمن فإنه مكتف في هذه الدنيا، ينظر إلى ما يكفيه منها فحسب، وشعاره: خذ من حل وأنفق في حل وتصدق لله سبحانه وتعالى بما قدرك الله عز وجل عليه، فهو دائماً إذا أقدم على عمل يتساءل هل هذا حلال أم حرام؟ إن كان حلالاً عمل فيه وإن كان حراماً أو فيه شبهة ابتعد عنه وتركه، كما أنه إن أعطاه الله كثير الإنفاق؛ لأنه يعلم أن الله توعد الكانزين للذهب والفضة يوم القيامة بنار تدخل من أكتافهم فتخرج من صدورهم وهكذا، فالمؤمن دائم الخوف من الله عز وجل كأنه في سجن، والناس حوله يلهون ويلعبون وينال أحدهم ما يشتهيه، أما المؤمن فإنه دائماً يحاسب نفسه على أعماله وكسبه، فهو يؤمن أن الدنيا ستنتهي بأهلها سواء الغني الذي حصل على الملايين أو الفقير الذي لم يلق ما يأكل ويبيت طاوياً، فكلاهما سيموت، وسيأكل التراب الجميع.
وبذلك يكون المؤمن قد نال من الدنيا عبادة الله عز وجل، ووصل إلى غايته بعد أن صبر على الدنيا، إلا أنه يقيناً سيصل بعد ذلك إلى البساتين والجنات والأنهار، أما الكافر فقد نال الدنيا من أجل أن يحاسب عليها في قبره ويحاسب عليها يوم القيامة ومصيره إلى النار.
وعلى ذلك فالإنسان المؤمن وإن كانت الدنيا سجناً له، ففي النهاية مصيره إلى الدار الآخرة وإلى حسن العاقبة.