للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذم الدنيا وما فيها من متاع زائل]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الإمام النووي رحمه الله: [باب: فضل الزهد في الدنيا، والحث على التقلل منها، وفضل الفقر.

عن عمرو بن الحارث أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنهما قال: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ديناراً، ولا درهماً، ولا عبداً ولا أمة، ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه، وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة) رواه البخاري.

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه وعالماً ومتعلماً) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا الضيعة وترغبوا في الدنيا) رواه الترمذي وقال: حديث حسن].

هذه أحاديث ذكرها الإمام النووي في كتابه العظيم رياض الصالحين في باب: فضل الزهد في الدنيا، والحث على التقلل منها، وفضل الفقر.

فليزهد الإنسان في الدنيا، وقد جاء في القرآن قال الله عز وجل: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥].

وضرب لنا مثلاً لهذه الحياة الدنيا حيث قال: {كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف:٤٥].

فالدنيا لا تدوم، وصاحبها مهما ظن أنه قادر عليها يأتي أمر الله عز وجل ليلاً أو نهاراً فيجعلها ((حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ))، وكأن لم تكن هذه الدنيا شيئاً مذكوراً، فالإنسان مهما عاش فيها، وطال عمره، وكثر ماله، وكثر أتباعه لابد وأن يفارقهم أو يفارقوه، وفي النهاية يعرف أن هذه الدنيا لم تكن سوى أحلام وأوهام، وأن الذي كسبه من الدنيا ليس هو كثرة الكلام، وإنما العمل الصالح الذي ينقله دار السلام.

فهنا الإنسان الذي يزهد في الدنيا لا يقبل عليها بشراهة وبنهم يطلبها، والإنسان الشره المنهوم لا يشبع أبداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اثنان لا يشعبان: طالب علم، وطالب دنيا).

الإنسان الذي يطلب العلم كلما ازداد علماً ازداد علماً بجهله، وازداد نهماً في تحصيل العلم النافع الذي يتقرب به إلى الله عز وجل.

الإنسان الذي يزداد من الدنيا يطلب الدنيا، وكلما أوتي منها شيئاً طلب أكثر منها، ولا يشبع طالب العلم ولا طالب المال، لكن طالب العلم إن كان علماً شرعياً تقرب بذلك إلى الله، ولا يزال يتعلم حتى يموت، وتكون له الدرجة العظيمة العالية عند الله عز وجل.

أما طالب الدنيا فهو في هم دائم، يطلب المال ويزداد ماله، ويزداد عناؤه في حراسة هذا المال، ويزداد طلبه لمال آخر، ولا يزال هكذا مشغولاً على الدنيا، مقبلاً عليها حتى يأتيه اليقين؛ فيترك الدنيا وما عليها، ويذهب ليجازى على هذا الذي جمعه فيها.