قال ابن سيرين: كانوا يكرهون الغل في النوم، وكان يعجبهم القيد، هذا في تأويل الرؤى، وتأويل الرؤى علم من العلوم، وليس كل واحد يؤول الرؤى، وليس كل إنسان عنده كتاب تفسير الأحلام للنابلسي أو لـ ابن سيرين معناه أنه قد فهم تعبير الرؤى ويعبر الرؤى، ويجلس حوله الناس فيحكون له وهو يفسر لهم! هذه موهبة من الله سبحانه وتعالى، وهي علم من العلوم يجعله الله في قلب الإنسان، وهي فطنة وذكاء معين يتعلق بذلك، فإذا به يقارن الأشباه بأشباهها، وينزل الأشياء على مواضعها فيفهم الشيء، وكثير ممن يفسر الرؤى اليوم لا يفهم الفرق بين إنسان رأى القيد، وإنسان رأى الغل! يقال: القيد: ما يربط في قدم الإنسان، يقال: فلان مقيد، وقيدت الدابة، إذا ربطت رجلها بسلسلة في عمود في الأرض، قيدتها لأمنعها من الحركة، والغل يُفْعل بالأسير، بحيث تجمع يداه إلى عنقه وتربط في رقبته بسلسلة، هذا هو الغل، فكانوا يحبون القيد؛ فيؤول القيد على أنه ثبات في الدين، وكانوا يكرهون الغل؛ لأن فيه الذل وفيه الصغار للإنسان، وفيه أنه شكل أهل النار يوم القيامة والعياذ بالله، فعلى ذلك يقول لنا ابن سيرين: كانوا يكرهون الغل في النوم، وكان يعجبهم القيد، ويقال: القيد ثبات في الدين.
وأحياناً بعض الرؤى يمكن للإنسان أن يراها على شيء معين ويكون لها تفسير معين، ويرى آخر نفس الذي رآه الأول، ويكون لها تفسير آخر! فليس شرطاً أن آتي بكتاب تفسير الأحلام وأرى فيه وأطبقه على شيء؛ وأقول: أنا أفهم في هذا العلم، العلم هذا له أهله، فالذي يعرف فيه هذا الذي يجوز له أنه يفسر، فالبقرة إذا رآها الإنسان في المنام يمكن أن يقول: بقرة فيها لبن وفيها خير، وفيها كذا، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم البقرة في يوم أحد، ولم يعجبه أنه رأى هذه البقرة في المنام، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:(بقر في أصحابي) يعني: تبقر بطونهم، وبقرت بطن حمزة رضي الله تبارك وتعالى عنه، فرآها النبي صلى الله عليه وسلم ولم تعجبه أنه يرى في المنام ذلك.
فقد يرى الإنسان شيئاً ولكنه لا يعرف المعنى الذي فيها، وإنسان آخر يؤولها له على خلاف الواقع، والذي يعبِّر الأحلام ينظر إلى الإنسان الذي يحدثه، فيأتي إنسان لـ ابن سيرين ويقول له: أنا رأيت رؤيا معينة فيها كذا وكذا، فنظر ابن سيرين وقال له: كذبت، أنت لم تر هذه الرؤيا، وهي ليست لك، يقول: صدقت حدثني بها فلان، فلان هذا من أولاد الأمراء، والرؤيا تعبيرها أنه سيكون أميراً، والذي يحكي لـ ابن سيرين هو شيخ ليس من أهل الإمارة، ولا يصلح أن يكون أميراً، فالذي يعبر الرؤى لديه فطنة.
وهذا إنسان يأتي لـ ابن سيرين ويقول له: أنا رأيت شيئاً سيئاً في المنام، رأى هذا الإنسان أنه يطأ بقدمه على رسول الله صلى الله عليه وسلم! فالرجل فزع، ومعروف عنه أنه من المؤمنين الصالحين، فـ ابن سيرين نظر إليه وعرف أنه من أهل الصلاح فقال: نمت في خفك؟ قال: نعم قال: اخلعه، فخلع الحذاء ووجد فيه ورقة مكتوباً فيها اسم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها لصقت في رجله، وكان ما قاله ابن سيرين حقيقة! فلو أن إنساناً يجهل تفسير الأحلام وتعبير الرؤى لقال له: أنت ستموت كافراً، لذلك لا تحكي الرؤيا لإنسان جاهل لا يفهم في تعبيرها، لا تقص رؤياك على أي إنسان، ولكن إذا كانت رؤيا صالحة فقص على من تحب، أو من يفهم في ذلك، وإذا كانت رؤيا تكرهها فلا تقصها على أحد.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.