[إكرام إبراهيم عليه السلام للضيوف]
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: باب: إكرام الضيف.
قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:٢٤ - ٢٧].
وقال تعالى: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:٧٨].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه.
هذا باب آخر من كتاب رياض الصالحين يذكر فيه الإمام النووي رحمه الله إكرام الضيف.
يقول: باب: إكرام الضيف.
وقد علمنا الله سبحانه وتعالى كيف يكون إكرام الضيف بما ذكر من آيات، وما جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث ومن أفعال.
فمن الآيات قول الله عز وجل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات:٢٤].
و (ضيف): اسم جنس، ولذلك يطلق على المفرد وعلى الجمع، ويجوز أن تقول: ضيوف، ويجوز أن تقول: أضياف.
فإذا أردت الجنس قلت: (ضيف) كما قال الله سبحانه وتعالى هنا.
وهنا المراد الجمع؛ لأنه وصفهم بأنهم مكرمون، حيث قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} [الذاريات:-٢٤ - ٢٥]، فهم ضيوف كرام كرمهم الله عز وجل، وهم من الملائكة على الحقيقة.
دخلوا على إبراهيم عليه السلام: {فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ} [الذاريات:٢٥] فسلموا عليه عليه الصلاة والسلام، فرد السلام وقال: (قَوْمٌ مُنكَرُونَ) يعني: أنتم قوم غرباء، منكرون لا نعرفكم، وإذا كنتم غرباء فإنكم تستحقون علينا أن نضيفكم.
قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} [الذاريات:٢٦] أي: فأسرع إلى أهله عليه الصلاة والسلام، {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:٢٦]، وفي الآية الأخرى قال: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:٦٩].
وهنا قال تعالى: (فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) أي: كبير وسمين، ليس هزيلاً صغيراً ضعيفاً، والعجل: ولد البقرة، يعني: لم يحضر بقرة كبيرة لحمها يتقطع ولا يؤكل، بل جاء بعجل، والعجل: الصغير في السن، وهو كبير في الحجم، ولذلك وصفه بأنه سمين، فانتقى للضيوف أطيب ما عنده عليه الصلاة والسلام.
وفي الآية الأخرى: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:٦٩] أي: ذبح العجل وشواه على النار، وجاء به لهؤلاء الأضياف، وقد كانوا ثلاثة.
لقد ذبح عجلاً سميناً لثلاثة من الضيوف، وشوى لهم العجل وقربه إليهم، ولما قربه إليهم إذا بهم لا يأكلون، أي: كانوا جالسين معه، لكن لا يمدون أيديهم، {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [الذاريات:٢٨] أي: خاف منهم، قال لهم: {أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:٢٧] وعندما يأتي إنسان غريب ويدخل بيتك فتقدم له طعامه ويرفض أن يأكل فإنك تتوجس منه الشر، فما دام أنه لا يريد أن يأكل الطعام فهذا معناه أنه ينوي الشر.
قال تعالى: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [الذاريات:٢٨] فطمأنوه فقالوا: {لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود:٧٠] وبذلك عرف إبراهيم عليه السلام أن هؤلاء ملائكة من عند الله سبحانه، ولكن قام بما وجب عليه عليه الصلاة والسلام، ولذلك فإن كرمه العظيم في الضيافة أضفى عليه لقب أبي الضيفان، أو أبي الضيوف؛ لأنه لا ينزل عليه ضيف إلا ويذبح له ويكرمه أعظم الكرم صلوات الله وسلامه عليه.