وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم).
قوله:(لا يكلمهم الله)، أي: يسألون فلا يكلمهم في أي حال من الأحوال، فإذا أجابهم لا يأخذون جواباً يفرحون به، بل جواب يحزنهم الدهر كله:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون:١٠٨].
(ولا يزكيهم) لا يطهرهم إلا بنار جهنم والعياذ بالله.
(ولا ينظر إليهم) وهو يراهم سبحانه وتعالى، وهو هنا نظر مخصوص، فلا ينظر إليهم نظر رحمة، أو لا ينظر إليهم على وجه من الوجوه الذي يستشعرون به أنه يعطيهم شيئاً من رحمته.
وهم:(شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر)، أناس قد منع الله عز وجل عنهم أسباب الاستكبار، وأسباب المعاصي، أولهم: الشيخ الزاني: شيخ كبر سنه، وذهبت نهمته ولذته، فالمفترض أن الذي وصل إلى سن أربعين سنة قد وصل إلى سن كمال، كما ذكر الله عز وجل في القرآن:{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الأحقاف:١٥].
فهذا الذي بلغ إلى الأربعين سنة ينبغي أن يقول ذلك، فكيف بالذي وصل إلى الستين والسبعين ثم يزني، هذا لا يستحق إلا نار جهنم -والعياذ بالله- هذا الشيخ الذي منع الله عز وجل عنه هذه الشهوة، قد وصل إلى اكتمال عقله بالابتعاد عن هذا الشيء الفاحش ومع ذلك يقع فيه، هذا لا يستحق إلا النار.
(وملك كذاب) ملك يملك الناس، ويحكم الناس، فيكذب عليهم لماذا؟ وصل إلى درجة عالية، والناس قد ملكوه وجعلوه فوقهم، ومع ذلك يكذب عليهم، فهو يكذب على الناس ويضر الناس بكذبه.
(وعائل مستكبر) العائلُ: الإنسان الفقير الذي عنده عيال ومحتاج لمال، ومع ذلك يستكبر على الخلق، ويكلم الناس من أطراف أنفه، لماذا يفعل هذا الشيء وقد منع الله عز وجل عنه ذلك بأن جعله فقيراً، كأن الله يريد بك خيراً لذا جعلك فقيراً من أجل أن تدخل الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، وجعلك فقيراً حتى لا يكون حسابك طويلاً يوم القيامة، وتأبى إلا أن يطول حسابك، فما وجدت المال فلجأت إلى شيء آخر تستكبر به على الناس من أجل تدخل به النار، لذا كان الفقير المستكبر على الناس من المستحقين للنار.
وهل معنى ذلك أن الغني له أن يستكبر؟ لا، ولو كان أغنى الناس، ولكن المعنى: أن الغني إن استكبر فهو معذب، وقد كان معه أسباب الاستكبار في الدنيا، فهل هذا الفقير الذي رحمه الله عز وجل ومنع عنه أسباب النار يجلبها لنفسه؟ إذاً: ادخل النار بهذا الشيء الذي جلبته لنفسك.