للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الجهاد بغير إذن الوالدين]

قال الإمام النووي رحمه الله: [باب بر الوالدين وصلة الأرحام.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (أقبل رجلٌ إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى.

فقال صلى الله عليه وسلم: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم، بل كلاهما.

قال: فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ قال: نعم.

قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما).

وفي رواية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحيٌّ والداك؟ قال: نعم.

قال: ففيهما فجاهد).

وعنه - أيضاً - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) رواه البخاري.

وقطعت بفتح القاف والطاء، ورحم مرفوع].

المسلم مأمور بأن يبر والديه، قال الله عز وجل: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة:٨٣]، وكذلك ذوي القربى.

ومن الأحاديث الواردة في بر الوالدين حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أقبل رجلَّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايع على الهجرة والجهاد يبتغي الأجر من الله سبحانه تبارك وتعالى، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: (أحي والداك فقال: نعم.

وفي حديث آخر أن الرجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ولقد تركتهما يبكيان).

يعني أنه أتى ليجاهد في سبيل الله عز وجل وترك أباه وأمه يبكيان بسبب خروجه خائفين عليه من أن يقتل، وكأنَّه أتى يسأل وكان الجهاد غير متعين، أما إذا تعين الجهاد فإن إذن الوالدين مستحب فقط، ولو رفضا لا ينتظر إذنهما، بل يخرج ليجاهد في سبيل الله عز وجل.

والذي وقع هنا أن الجهاد كان فرضاً كفائياً، وكان صلى الله عليه وسلم يبعث البعوث، فهذا أحب يشترك في بعث ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك سأله: أحيٌّ والداك؟ فقال: نعم.

وأخبر أنه تركهما يبكيان، فقال: ارجع إليهما ففيهما فجاهد.

وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: (ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما) أي: إن أبكيتهما بالخروج فأرجع فاضحك والديك كما أبكيتهما.

وفيه أنه ينبغي للإنسان أن لا يؤذي والديه فيستأذنهما فيما كان مستحباً، كأن يخرج لجهاد تطوع، أو لحجة تطوع أو لعمرة تطوع، والأب والأم يحتاجان إلى بقائه، وفي هذا الحديث قال له: (فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ قال: نعم.

قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما).

فليس المقصود الرجوع ليقعد معهما، بل المقصود حسن صحبتهما، بحيث يبقى المسلم مع أبيه ومع أمه يحسن الصحبة بالمعروف، ولو كان الوالدان كافرين فإن ربنا تعالى يقول: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:١٥].

فلو جاهداك وأمراك بالكفر بالله عز وجل والشرك بالله فلا تطعهما في ذلك، ولكن مع ذلك أحسن إليهما وصاحبهما بالمعروف.