ذكر المصنف باب كراهة النفخ في الشراب، سواء كان الإنسان وحده أم مع جماعة؛ وذلك حتى لا يعتاد الشخص على النفخ، فإن كان الشراب ساخناً فإنه ينتظر برده ثم يشربه.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذاة أراها في الإناء) أي: يريد الشخص أن يستفسر عن حكم النفخ عند وجود علة أو ضرورة على الإناء، كأن تكون عليه عشبة أو قذى معين، فهنا يرشده النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عدم النفخ حتى لو أدى الأمر إلى صب الشراب كاملاً، ولذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم:(أهرقها) أي: أرقها وصبها.
والقصد من ذلك الخوف على الإنسان من أن يعتاد على النفخ في الإناء، فينفخ فيه وهو بحضرة جماعة فيؤدي إلى تأذيهم من هذا العمل واستقذارهم له، فيتركون الأكل والشرب لذلك، فيكون بهذا قد أدى إلى الإضرار بالناس؛ ولهذا نهي عن هذا العمل.
يسأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فيقول:(إني لا أروى من نفس واحد)، يريد بذلك أن يتعلل للتنفس في الإناء، وكأنه يقول: إني إذا شربت من الإناء لا أستطيع أن أشرب بنفس واحد، بل أحتاج إلى التنفس في الإناء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(فأبن القدح إذاً عن فيك) أي: إذا أردت أن تتنفس فأبعد القدح عن فمك، وهذا محمول على الشرب الكثير، وإلا فمن الممكن أن يشرب الإنسان ماءً قليلاً ولا يحتاج معه إلى التنفس.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء أو أن ينفخ فيه)، وهذا الحديث راجع إلى نفس المعاني السابقة، من النهي عن التنفس في الإناء أو النفخ فيه في كل حالة من الأحوال.