للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحد المعتبر للناس الذين يثنون على الميت]

روى البخاري من حديث أبي الأسود الديلي قال: أتيت المدينة وقد وقع بها مرض وهم يموتون موتاً ذريعاً، -وكان هذا في عهد عمر رضي الله تعالى عنه- قال: فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فمرت جنازة فأثني خيراً فقال عمر: وجبت.

فقلت: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟! قال: قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة) فهذا يستحق الجنة بما شهدوا له من خير، (قلنا: وثلاثة، قال: وثلاثة.

قلنا: واثنان، قال: واثنان، قال: ولم نسأله عن الواحد).

إذاً: ليس شرطاً أن يشهد للميت كل الناس، بل يصح من بعض الناس أيضاً، فقد يكون حال هذا الإنسان غائباً عن الكثير، ولكن بينه وبين الله خير كثير، والأقربون يرون منه هذا الخير، فيرون أنه كثير التقوى كثير الصلاة كثير الصدقة لكن لا يشتهر عنه ذلك، وإنما عرف الأقربون ذلك فأثنوا عليه خيراً، فينطق الله على ألسنتهم ملائكة حتى يستوجب جنة الله عز وجل.

حديث آخر رواه الإمام أحمد وصححه الشيخ الألباني بشواهده، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً، إلا قال الله تبارك وتعالى: قد قبلت قولكم -أو قال: شهادتكم- وغفرت له ما لا تعلمون) فالله عظيم وكريم سبحانه وتعالى.

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) فكل إنسان فيه أخطاء يفعلها من صغائر وكبائر، ومن ستر على نفسه وتاب إلى الله، فالله يتوب عليه، ومن فضح نفسه واستهان بعمله استحق العقوبة من الله سبحانه.

فهنا الإنسان الذي يموت فيثني عليه الأقربون من جيرانه، وذلك لخلقه الحسن معهم، ولذا تجد الأقربين يحبونه، ويثنوا عليه بالطيب، وأنه لا يتعرض لأحد، ولا يؤذي أحداً، فيثني عليه جيرانه الأقربون بخير، فإذا وجد أربعة من أهل جيرانه يثنون عليه بذلك استحق من الله عز وجل الجنة والثواب، والله سبحانه يقول: (قد قبلت قولكم) أي: قبلت منكم هذه الشهادة.

قال: (وغفرت له ما لا تعلمون) أي: أنتم لا تعلمون أخطاءه، والله يعرفها فيغفر له ذلك؛ لأنه كتم على نفسه، وستر نفسه، ولم يجاهر بالمعصية بين الناس، فكانت سيئته بينه وبين ربه، فهذا جدير بأن يغفر الله له؛ لأنه ستر، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من ستر نفسه ستره الله)، وبالمقابل: من فضح نفسه استحق العقوبة من الله.