للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سؤال الإنسان يوم القيامة عن النعيم في الدنيا]

ومن الآيات التي يسوقها لنا النووي هنا قول الله عز وجل: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:٨].

يعني: أنه سبحانه سيسألكم عما نعمكم به في الدنيا، من مال، أو طعام أو شراب ونحو ذلك.

وقال سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء:١٨]، هذه الآية من سورة الإسراء آية عظيمة وعجيبة فاسمع لهذه الآية: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ} [الإسراء:١٨]، أي: الدنيا: {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:١٨]، أي: الذي نريده؛ لنفتن الخلق بذلك، فالإنسان الذي يطلب الدنيا لن ينال ما يطلب، ولكن ينال منها ما قسمه الله عز وجل له لحكمة عنده، ومع ذلك تجد الإنسان ينكب على الدنيا.

ومن أبأس خلق الله الذي يطلب الدنيا، فهو يجري فيها بكل طاقته ثم يشاء الله تعالى أن يظل فقيراً تعيساً في حياته ثم يموت بهذه التعاسة، فلا هو نال الغنى في الدنيا، ولا نال رضا الله عز وجل في الآخرة، وهذا من أشد الناس بؤساً وضرراً على نفسه في الدنيا وفي الآخرة.

قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:١٨]، ثم جعلنا لهذا الإنسان الذي يريد العاجلة، سواء أعطيناه العاجلة أم لم نعطه؛ لأنه ابتعد عن الله سبحانه وتعالى، قال: {ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء:١٨]، فضاعت منه الدنيا كذلك، وحتى إن حصل على الدنيا فإنه لا بد تاركها، ثم له نار جهنم والعياذ بالله.

قال: {يَصْلاهَا} [الإسراء:١٨]، أي: يدخلها ويقاسي حرها ولهيبها واشتعالها، {مَذْمُومًا} [الإسراء:١٨]، على ما صنع، {مَدْحُورًا} [الإسراء:١٨] ذليلاً مطروداً من رحمة رب العالمين سبحانه.

لذلك فإن الإنسان المؤمن العاقل يحمد ربه سبحانه على أن وفقه لطاعته، وعلى أنه أتى به إلى بيت الله ليصلي، وعلى أن جعله يصوم، فكم من إنسان بعيد عن رب العالمين يتمنى لو فعل ذلك مجرد أمان، فهو لا يريد أن يصلي أو يصوم؛ لأن الكسل يمنعه عن أداء هذه الواجبات، وكذلك نسيانه ربه سبحانه، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر:٦٧]، فلو كانوا يقدرون الله حق قدره، ويعلمون قوة الله وقدرته، ويستحضرون رحمة رب العالمين، وكيف أنعم عليهم بنعم عظيمة ليل نهار لعبدوا الله حق عبادته.