[الحب في الله عند الأنصار]
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب: الحب في الله والحث عليه، وإعلام الرجل من يحبه أنه يحبه، وماذا يقول له إذا أعلمه].
قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩]، فالنبي صلى الله عليه وسلم والذين معه من المؤمنين فيهم هذه الصفات العظيمة، وهي: الشدة على الكفار، فيجاهدون في سبيل الله عز وجل، ولا يخافون لومة لائم، ولا يفرون إذا لقوا العدو، وهم فيما بينهم رحماء، فيرحم المؤمن أخاه المؤمن؛ لأن المؤمن فيه ذل لأخيه المؤمن.
ولذلك فالله سبحانه وتعالى يخبرنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤]، فصفة المؤمن مع أخيه المؤمن أنه يخفض له جناح الذل من الرحمة، ويعرف قدر أخيه، ويواسيه في مصيبته، ويحبه لطاعته، وينصحه إذا وجد منه شيئاً يخالف أمر الله تبارك وتعالى، ويستر عليه إذا وجد منه شيئاً من المعاصي أو الذنوب؛ لأن: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا).
وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:٩]، فهذا وصف الله عز وجل لأهل المدينة والأنصار.
الذين تبوءوا الدار أي: المدينة.
والإيمان أي: فكأنهم نزلوا في وسط الإيمان، وفي قلب الإيمان.
فقد امتلئوا إيماناً رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، وفاض منهم هذا الإيمان، حتى كأنهم نزلوا بداخله رضوان الله تبارك وتعالى عليهم.
وهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم.
فالمهاجرون هاجروا وليس معهم مال ولا شيء إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمدحهم الله بقوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:٨]، فصدقوا الله فصدقهم الله عز وجل، فنزلوا على المدينة فاستقبلهم الأنصار، وأحبوهم وآخوهم في الله سبحانه وتعالى، وأنفقوا عليهم، وأعطوهم من أموالهم ومن ديارهم، وآثروهم على أنفسهم، فهم يؤثرون على أنفسهم حتى ولو كان بهم جوع.
فهذه صفات المؤمن أنه يحب أخاه، ويؤثره، ويفضله على نفسه، كما ذكر الله عز وجل هؤلاء.
وليس كل الناس كالمهاجرين والأنصار، ولكن على الأقل على المؤمن إذا لم يحب أخاه فوق حبه لنفسه، أن يحبه مثل حبه لنفسه أو أقل، فيحبه مثل ما يحب ولده، ويحب أهله، ويحب أصدقاءه المقربين، فيحب المؤمن لكونه مؤمنا، ومطيعاً لله عز وجل، فينفعه هذا يوم القيامة، وينفعه في قبره.