من الأحاديث التي وردت في فضل الوضوء: ما رواه مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره)، كلما جاء حديث كلما تشوق المؤمن للمحافظة على الوضوء، ولا أحد يستغني عن الوضوء، فإذا استطعت أن تكون دائماً على وضوء فهذا أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يذكر الله وهو على طهارة، وليس هذا فرضاً واجباً إلا عند الصلوات أو عند قراءة القرآن من المصحف، ولكن مع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يكون على وضوء عند ذكره لله، ومرة لقيه إنسان في الطريق فسلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى تيمم، وقال (كرهت أن أذكر الله على غير وضوء)، صلوات الله وسلامه عليه.
يقول صلى الله عليه وسلم:(من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده)، إذاً: صغائر الذنوب تتساقط من الإنسان أثناء الوضوء، فتتساقط من يديه ووجهه ورجليه وفمه وأنفه، كل آثار الذنوب تتساقط من الإنسان إذا توضأ، فالوضوء شيء عظيم، ومتى توضأت فإنك تكون مستعداً للعبادة، بل الوضوء نفسه عبادة يكفر الله عز وجل بها عنك كثيراً من الآثام.
وعنه أيضاً في صحيح مسلم قال:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا)، كأن أبا هريرة توضأ أمام الناس ليعلمهم كيف يتوضئون، ثم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه)، أي: يتوضأ فيحسن الوضوء، وإحسان الوضوء بأن يوصل الماء إلى جميع مواضع الوضوء، وليس بالإسراف، ولكن يستهلك من الماء بالقدر الذي يتقن به وضوءه، قال:(من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه)، أي: غفر له صغائر ذنوبه السابقة (وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة).
فكأنه يقول: الإنسان بين ذنوب يريد محوها ودرجات يريد الوصول إليها، فإذا توضأ فإن الله يكفر عنه ذنوبه ويرفعه درجات عنده والنافلة الزيادة، قال:(وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة)، أي: زيادة فضل من الله عز وجل، وهو يتفضل على عباده بما يشاء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء)، فالإنسان ربما نظر إلى شيء حرمه الله سبحانه، فإذا توضأ وغسل وجهه نزلت آثار هذه الخطايا والذنوب من وجهه مع قطر الماء أو مع آخر قطر الماء، قال:(فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء)، كلمة (بطش) بمعنى: أمسك، فهنا خرجت من يديه كل خطيئة كانت أمسكتها يداه، أو أي شيء من الحرام وقع فيه، أما أن يضرب مسلماً أو يلطمه على وجهه ومن ثم يتوضأ ويقول: ذهبت، فلم تذهب؛ لأنه حق الواجب فيه القصاص، فلا يذهب حتى يقتص منك أو يعفو عنك، إذاً: ليس حق الإنسان من الذنوب التي يكفرها الوضوء بل لا بد من ردها أو التحلل منها.
فلا يفهم أحد بطشة اليد فهماً خطأً، فبطش بمعنى: أمسك، وهذا هو أصل كلمة بطش، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:(يصعق الناس يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا بموسى باطش بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي أو أخذ بصعقته الأولى؟!)، أي: يوم الطور؛ ولأنه صعق في الدنيا لم يصعق يوم القيامة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لا أدري)، أي: أي الأمرين، لكن المهم أن الناس يصعقون يوم القيامة ويكون أول من يفيق النبي صلى الله عليه وسلم، (فإذا بموسى باطش)، بمعنى: ممسك بقائمة العرش، فالمقصود أن كلمة بطش تفيد معنى أمسك بالشيء.
يقول صلى الله عليه وسلم:(فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء)، إذا مشى إلى ذنب أو معصية فإذا تاب إلى الله فقام فتوضأ فإن الله يكفر عنه ذنوبه حتى يخرج نقياً من الذنوب، والمراد هنا صغائر الذنوب التي ليس فيها حق لمسلم، وإنما هي ذنوب بينك وبين الله عز وجل، أما ما فيه حقوق للناس فلا بد من إعطاء الناس حقوقهم، فإذا شتمت إنساناً أو أخذت ماله أو سفكت دمه أو ضربته، فإما أن تدفعها له في الدنيا بأن يقتص منك، أو تدفع له الجناية على ما فعلت أو تستحلها منه، وإما أن يأخذها منك يوم القيامة حتى ولو كنت من أهل الجنة، فإنه إذا مر الناس على الصراط حبسوا على جسر بينه وبين الجنة حتى يقاص ربنا سبحانه بينهم من مظالم كانت للعباد مع أنهم من أهل الجنة، فقد خرجوا من الصراط ولم يبق إلا أن يدخلوا الجنة، فلا يدخلوها حتى يتحللوا من المظالم التي بينهم، فالإنسان قبل أن يدخل الجنة إذا كانت عليه مظلمة لفلان فإنه يأخذ من حسناته ما ينتفع به ويدخل به الجنة، ولعل هذا كان قد استحق منزلة ثم نزل عنها بسبب أن فلاناً أخذ من حسناته كذا وكذا، فاحذر من ظلم العباد.