[شرح حديث عائشة في مسارة النبي لفاطمة وكتمها لسره حتى مات]
عن عائشة رضي الله عنها قالت:(كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فلما رآها رحب بها وقال: مرحباً بابنتي) يعني: كانت شديدة الشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى في مشيتها، فالسيدة عائشة وصفتها بأنها ما تخطئ مشيتها مشية النبي صلى الله عليه وسلم.
قالت:(فلما رآها رحب بها) فيه وصف حال النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مع ابنته وكيف قابلها حين جاءت تزوره صلى الله عليه وسلم.
قالت:(ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله)، كان النبي صلى الله عليه وسلم من عادته إذا جاءت ابنته أنه يقوم لها ويقبلها صلى الله عليه وسلم ويجلسها بجواره، وإذا ذهب هو إليها قامت إليه وقبلته وأجلسته صلوات الله وسلامه عليه.
قالت:(ثم سارها فبكت بكاء شديداً) يعني: بعد أن قال لها السر بكت بكاءً شديداً، قالت:(فلما رأى جزعها سارها الثانية فضحكت - رضي الله تبارك وتعالى عنها - فقلت لها: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نسائه بالسرار ثم أنت تبكين؟!) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم فضلك علينا كلنا وقال لك السر ثم أنت تبكين! وتعجبت من أنها ما رأت ضحكاً أسرع لبكاء من هذا اليوم، فلما قام رسول الله وسألتها عائشة عما قاله لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت رضي الله عنها:(ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سراً) يعني: كون النبي صلى الله عليه وسلم يحدثني بيني وبينه فمعناه أنه لا يريد أن تسمعوا، ولو كان يريد أن تسمعوا لكان حدثني بصوت مرتفع، ولما كان سراً.
قالت عائشة:(فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لـ فاطمة - رضي الله عنها -: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما حدثتني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت فاطمة - رضي الله تبارك وتعالى عنها -: أما الآن فنعم) يعني: الآن وبعد أن مات النبي صلى الله عليه وسلم فيمكن أن أخبرك بهذا السر، أما في حياته فلا، قالت:(أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة وأنه عارضه الآن مرتين، وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري) يعني: اعتاد النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل يعارضه القرآن كل سنة مرة، ومعنى المعارضة: أن يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع جبريل، أو يقرأ جبريل ويسمع النبي صلى الله عليه وسلم، فكل سنة كان يختم معه ختمة، أما هذه السنة فإنه ختم مرتين مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم استشعر أنه قد دنى أجله، قالت فاطمة رضي الله عنها:(وأنه عارضه الآن مرتين، وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت)، ففي المرة الأولى أخبرها بأن الأجل قد اقترب منه صلى الله عليه وسلم، قالت:(فبكيت بكائي الذي رأيت)، ثم قالت فاطمة:(فلما رأى جزعي - صلوات الله وسلامه عليه - قال: يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة، فضحكت ضحكي الذي رأيت).
إذاً: السر الأول: أنه صلى الله عليه وسلم سيموت، أما السر الثاني فهو: أن السيدة فاطمة تكون سيدة نساء العالمين، وأيضًا أخبرها أنها تلحق به صلى الله عليه وسلم ولن تعيش بعده كثيراً، ففرحت بأنها تدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأن منزلتها في الجنة أنها ستكون نساء العالمين أو سيدة نساء هذه الأمة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
وفي هذا الحديث دلالة على أن الإنسان إذا استودعه إنسان سراً فلا يجوز له أن يفشيه.