للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غمسة في الجنة أو النار تنسي ما كان في الدنيا]

وفي حديث صحيح عند مسلم عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة).

لقد كان ملكاً من الملوك معه مال كثير، ويحكم أناساً كثيرين، قال صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال له: هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما رأيت نعيماً قط).

وصدق في ذلك؛ فالدنيا إذا قيست بالآخرة إنما هي أحلام وأوهام، والإنسان الذي يكون في حلم وبعد ذلك يصحو فيجد الشيء الذي يضايقه يقول: كنت أحلم.

وكذلك يوم القيامة، فإنه يرى الدنيا كانت حلماً، وكأنه لم يكن فيها شيء.

قال صلى الله عليه وسلم: (ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة) إنه رجل مؤمن كان أفقر الناس وأكثر الناس ابتلاء بمصائب الدنيا من فقر ومرض وغيره، وهو مؤمن، فيؤتى به يوم القيامة، وبعد ذلك يغمس في الجنة غمسة ثم يُسأل هذا الإنسان: (هل رأيت بؤساً قط؟ هل مرَّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط) فغمسة في الجنة تنسي الإنسان الدنيا كلها؛ لأن الجنة عظيمة واسعة، ولا تمتلئ أبداً حتى يخلق الله عز وجل خلقاً آخر يدخلهم الجنة لم يعصوا ربهم أبداً قبل ذلك، والنار لا تمتلئ.

وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول: قط قط.

ولا يظلم ربك أحداً، فلا يخلق للنار خلقاً يوم القيامة، ولكن الجنة يخلق لها أهلاً يملؤها بهم، أما النار فيسكتها ربنا بذلك، يضع الجبار فيها قدمه فتقول: قط قط.

فقياس الدنيا على الآخرة قياس مع الفارق العظيم، ولا وجه للمقارنة بين الدنيا والآخرة.

وعن مستورد بن شداد رضي الله عنه في صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع).

فإذا أردت أن تقيس على الآخرة فضع أصابعك في البحر وخذ قطرة منه، ثم قارب بين هذه القطرة وبين هذا البحر، فكذلك الدنيا مع الآخرة؛ إذ لا وجه للمقارنة.