[تبشير النبي صلى الله عليه وسلم بدخول الجنة من استيقن بكلمة التوحيد من أمته]
من الأحاديث في البشارة حديث لـ أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كنا قعوداً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا، فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا).
فانظر إلى مدى حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان جالساً معهم، فقام ليقضي حاجته، فلما تأخر عنهم فزعوا.
قال: (فكنت أول من فزع) أي: أول من قام يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار، فدرت هل أجد له باباً فلم أجد).
وذلك لأن الإنسان عندما يكون في وقت أزمة وفي وقت ضيق يذهب تفكيره، ويمكن ألاَّ يرى الشيء وهو موجود، فـ أبو هريرة رضي الله تعالى عنه دار على الحائط، والحائط هو الحديقة، والحديقة لها سور حولها وليس من المتصور أن يكون هناك سور ليس له باب، ولكن أبا هريرة مع شدة فزعه وبحثه عن النبي صلى الله عليه وسلم دار حول الحديقة، فلم ير لهذه الحديقة باباً.
قال: (فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة).
والربيع: الجدول، أي أن البئر كان يخرج منها جدول ماء يدخل إلى الحائط.
قال: (فاحتفزت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ومن الضرورة أن يكون الحائط له باب دخل منه النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل منه أصحاب الحائط، ولكن مع شدة فزع أبي هريرة لم يجد هذا الباب، ولم ير هذا الباب، فدخل من المدخل الذي يدخل منه الجدول.
قال: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو هريرة؟ فقلت: نعم يا رسول الله.
قال: ما شأنك؟ قال: قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب) يعني: لم أر له باباً، فدخلت من ثقب يدخل منه الجدول، قال: (وهؤلاء الناس ورائي) أي: أن الناس قادمون كلهم فزعين يبحثون عنك قال: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة! اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة).
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ النعلين لتكونا علامة على أن الذي بعثه إليهم هو النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما خرج أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وجد أمامه عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقال: إلى أين يا أبا هريرة؟ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا.
فقال: ارجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: ودفعني دفعة وقعت منها، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما شأنك؟ فذكر ما فعله عمر، وكان عمر على أثره رضي الله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا اله مستيقناً بها قلبه يبشره بالجنة؟ قال: نعم.
قال: فلا تفعل؛ فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فخلهم).
أي: صحيح أنك تحبهم وهم يحبونك، ولكن إذا بشرتهم بهذا فسوف يتكلون على ما قلت، وسيتركون الصلاة والصوم والعبادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا إذاً).
فحبه صلى الله عليه وسلم لهم جعله يأمر أبا هريرة بأن يبشرهم، ولكن حرصه عليهم جعله يستمع لمشورة عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه في ذلك.
وهنا بيان الشورى، فـ عمر أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فيه رأي، وكان هذا الرأي من عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه خوفاً وحرصاً على الصحابة، ولكن مع حرص عمر، ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فلا إذاً) وصل إلينا هذا الخبر، وعرفنا ما قاله، ولكن عرفناه مقروناً بقوله: (يتكلوا)، فالإنسان قد يغتر فيقول: أنا أقول: (لا إله إلا الله)، فأنا داخل الجنة، فيتكل فيكون من أهل النار في النهاية والعياذ بالله، فليحذر الإنسان من أن يغتر بكونه على الإسلام وأنه يقول: (لا إله إلا الله) فيترك العمل فيقع في معصية الله، فيكون من أهل النار.