للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمر بإخلاص الدعاء للميت]

مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في أمر الجنائز ما رواه أبو داود، وحسنه الشيخ الألباني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) وهذا الأمر مهم جداً وليس الأمر من الذي يصلي عليه، ولكن من الذي يؤم، والمهم أن يخلص الجميع في الدعاء للميت.

وإذا كانت الصلاة على الميت في المسجد فأولى الناس بالصلاة عليه هو إمام المسجد، وهذا بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه)، وأما إذا كانت الصلاة خارج المسجد كأن يصلون عند المقبرة، أو في المصلى، أو في غيرهما، فليتقدم وصي الميت إن كان أوصى أن فلاناً يصلي عليه، وإن كان الأفضل في الإمامة على كل الأحوال في أي صلاة جماعة سواء كانت صلاة على الميت أو غيرها أن يؤم القوم أحفظهم لكتاب الله، وذلك لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فهذا هو المقدم في الإمامة، إذ قدمته الشريعة، ولا يؤخر من قدمته الشريعة.

وقد تجد أحياناً بعض الناس يظن أن المسألة من باب التزين والتجمل، فتجد أن أولياء الميت وأهله يتخاصمون فيما بينهم فيمن سيصلي على هذا المتوفى، والأهم من ذلك هو الإخلاص في الدعاء، سواء كنت إماماً أو كنت مأموماً، فإذا أخلصت في الدعاء استجاب الله سبحانه وتعالى، ولن يكون هناك فرق سواء كنت إماماً أو مأموماً، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (أخلصوا له الدعاء).

فالمطلوب إذاً: أن تستحضر النية الصالحة، وتستحضر أنك ستكون مكانه في يوم من الأيام، ولا تدري هل سيصلي عليك مجموعة كبيرة أو عدد قليل، وهل سيخلصون لك في الدعاء أم لا؟ فلذلك عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، فإنك إذا كنت في هذا الموقف فإنك تحب من الناس أن يدعوا لك بإخلاص، فادع لهذا المتوفى، كما تحب أن يدعى لك، ولا تبخل بالدعاء فإنك لن تخسر شيئاً، ولن تدفع من جيبك، وإنما الله عز وجل هو الذي يعطي، فادع له بالجنة، وادع له بالفردوس الأعلى فيها، وادع له بالرحمة، فلعل الملائكة أن تدعوا لك، وتقول: ولك مثله، ولك مثله، فادع لأخيك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، واسأل له التثبيت، وادع له بما تحب أن يدعى لك.

ذكر الإمام النووي رحمه الله هنا حديثاً آخر رواه أبو داود بإسناد ضعيف، ورجاله ثقات إلا: علي بن شماخ، لم يوثقه سوى ابن حبان، فالحديث في إسناده ضعف يسير.

قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم! أنت ربها وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت توفيتها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء له، فاغفر له) فأنت أيها المسلم جئت لتصلي على المتوفى وتشفع له.

الشفاعة معناها: أن لا تجعله وحده، فأنت شفعته، أي: صرت معه تدفع عنه بدعائك وبإخلاصك، فلذلك قال: (جئنا شفعاء له، فاغفر له) لعل الله سبحانه وتعالى أن يتجاوز عنه، ويعفو عن سيئاته.

ومن الأحاديث الصحيحة: ما رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين، فسمعته يقول: اللهم! إن فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، اللهم! فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم).

فيستحب أن تدعو بأي دعاء شئت؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل كل الأدعية في صلاة واحدة، ولكن مرة قال بكذا.

ومرة قال بكذا، ومن هنا فإننا نعرف أن طول صلاة الجنازة غير مستحب، فلا تكون صلاة طويلة جداً بحيث يمل الناس، يقفون حتى لا يجدوا شيئاً يقولونه، ولكن تكون الصلاة بقدر ما دعا النبي صلوات الله وسلامه عليه.

وإن شئت جمعت حديثين أو ثلاثة أحاديث فيما جاء من ذلك، ودعوت بهما للميت، ولكن البعض أحياناً قد يقف ويدعو للميت دعاءً طويلاً، حتى يمل من خلفه، ويظلوا سكوتاً، لا يعرفون ماذا يقولون، فيذهب عنهم الإخلاص، ويشق عليهم بذلك.

ولذلك عندما قال الإمام النووي رحمه الله: يستحب الإطالة بعد التكبيرة الرابعة، فإنه يقصد: الإطالة بقدر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، لأن بعض العلماء يقولون: لا يوجد بعد التكبيرة الثالثة دعاء، وإنما تكبر، وتقف شيئاً يسيراً، وتسلم من غير دعاء، فالإمام النووي يقول: قف، وادع بعد الثالثة بمثل هذا الدعاء الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.