للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للميت في حديث أبي قتادة]

ومن الأدعية الواردة في صلاة الجنازة: ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد عند الترمذي من حديث أبي هريرة ومن حديث أبي قتادة، وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم! اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا).

فهذا هو الذي تدعو به للميت ثم تدعو لنفسك وللمسلمين أيضاً، فبعد التكبيرة الثالثة تخص الميت بالدعاء، وإن شئت جعلت الدعاء له في التكبيرتين الثالثة والرابعة ولا تحرم نفسك والمسلمين من الدعاء، فلعل الله عز وجل أن يستجيب، ولعلك أن تستحضر في هذا الوقت الإخلاص والخشوع والخوف من الله عز وجل، فيستجيب الله دعاءك، فلا تحرم نفسك من أن تدعو لنفسك وتدعو للمؤمنين.

ولكن بجوامع الدعاء التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دعا بقوله: (اللهم! اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا، وصغيراً وكبيرنا، وشاهدنا وغائبنا اللهم! من أحييته منا، فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان) فهذا دعاء شامل كامل من النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، صلوات الله وسلامه عليه.

فيدعو ربه سبحانه بقوله: اللهم! اغفر للجميع، ويخصه، وإن كان حقيقة التخصيص فيه التعميم، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (لحينا) يخص كل الأحياء والإنسان إما حي وإما ميت، وقد قال في الدعاء: اغفر لحينا وميتنا، فحقيقته هي: التعميم فقد عم النبي صلى الله عليه وسلم الجميع بقوله: (اغفر لحينا وميتنا).

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (وشاهدنا وغائبنا) فإن الناس إما شاهد، وإما غائب، فالشاهد هو الموجود، والغائب إما أن يكون غائباً الآن، وإما أن يكون تحت التراب، فكأنه جمع الجميع بقوله.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (وذكرنا وأنثانا)؛ لأن الناس إما ذكور وإما إناث، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم للجميع.

وكذلك قوله: (وصغيرنا وكبيرنا) نفس الأمر أي: أن الناس إما صغار وإما كبار، فكأن هذا الدعاء هو الأولى؛ لأنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه من التأكيد الشيء الكثير، وقد تفنن في الانتقاء صلوات الله وسلامه عليه.

فكأنه يقول: اللهم! اغفر للجميع.

ولكن بتفنن جميل في الدعاء.

فشمل دعاؤه صلى الله عليه وسلم الجميع.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم! من أحييته منا فأحييه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان) أي: أن الله إما أن يقدر لنا الحياة، وإما أن يقدر لنا الموت، فيقول: إذا قدرت لنا الحياة فأحيينا على الإسلام، وثبتنا عليه، وإن قدرت لنا الموت فتوفنا على الإيمان.

ثم قال: (اللهم! لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده) أي: هذا الإنسان الذي توفي وفارقنا، اللهم! لا تحرمنا أجر أن صلينا عليه وشيعناه ودعونا له.

وكذلك لا تفتنا بعده؛ فقد مات هذا الإنسان، ومددت لنا في أعمارنا، فلا تجعلنا فتنة للناس بعد موته، ولا تفتنا بغيرنا في هذه الحياة الدنيا.