[استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم يفهم إلا بذلك]
يقول الإمام النووي: باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم يفهم إلا بذلك.
تكلم مع الناس بكلام يفهمونه، فلا تكن سريع الكلام؛ لأن الذي يسمعك قد لا يفهم ما تقول، وقد يقول لك: أعده ثانية، فتظهره في مظهر الغبي الذي لا يفهم، فلا تسرع في الكلام، وإذا طلبت حاجة فاطلب على مهلك واجعل الذي يسمعك يفهم منك ما تقول، هذا في كلامك مع الناس، أما إذا كنت في الدرس أو في الخطبة فمن باب أولى ألا تقول للناس كلاماً لا يفهمونه، فقد يظن الناس أنك فاهم وهم ليسوا بفاهمين، فيقولون: هذا كلام كبير نحن لا نعرفه، ولكن أفهم الناس وخاطبهم على قدر عقولهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي أوتي جوامع الكلم كان أفصح خلق الله صلوات الله وسلامه عليه، وأبينهم عليه الصلاة والسلام، يقول أنس:(كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً، حتى تفهم عنه صلوات الله وسلامه عليه)، هذا إذا أراد أن يفهمهم وظن أنهم لم يفهموا أو أراد أن يحفظهم ذلك، وليس معناه أنه كلما تكلم أعاد ثلاث مرات، وإلا لكان ذلك عيباً به صلى الله عليه وسلم، وحاشاه من ذلك.
فالمقصد أنه إذا كان الكلام لا يفهم إلا بتكرار كرره، كأن يلقي ذكراً من الأذكار ليحفظ، أو أمراً من الأمور أو يريد أن يعلمهم نصيحة يحفظونها فإنه يكرر ذلك مرة ومرتين وثلاث مرات صلوات الله وسلامه عليه، وأحياناً إذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثاً، وهذا إذا كانوا قوماً كثيرين، فلابد أن يكرر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حتى لا يحرم البقية من بركة التسليم عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لهم حين يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فكان من شفقته صلى الله عليه وسلم ألا يحرمهم من ذلك، فكان يكرر التسليم عليهم مرة ومرتين وثلاث مرات، فيردون عليه السلام صلوات الله وسلامه عليه، ورضوان الله تبارك وتعالى عليهم.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها:(كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً فصلاً يفهمه كل من يسمعه)، والكلام الفصل له مقطع يقف عليه المتكلم ويسمعه السامع، ليس هو كلاماً له ذيول طويلة بحيث آخره ينسي أوله، ولكن كان كلامه كلاماً فصلاً.
وأنت حين تسمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أو تقرؤها تجدها واضحة بينة، سواءً كانت أحاديث طويلة أو أحاديث قصيرة، فحديثه صلى الله عليه وسلم كله جمل مفيدة، فـ عائشة رضي الله عنها تذكر أن كلامه كان كلاماً فصلاً يفهمه كل من يسمعه، بل قالت في حديث آخر:(لو أراد العاد أن يعده لعده)، فالكلمات التي يخرجها صلى الله عليه وسلم تنبثق من هدوئه، فهو عندما يتكلم صلى الله عليه وسلم يتبين ما يقوله صلوات الله وسلامه عليه.
إذاً: من الأدب في الكلام أن الإنسان يفهم جليسه ما يقول، ولا يتسرع في الكلام بحيث إن الذي يسمع لا يفهم، وقد تطلب منه أشياء وهو ليس بفاهم، فيقول لك: حسناً، ولا يستطيع أن ينفذ شيئاً من الذي تقوله.