ومن الشفاعة الغير جائزة الشفاعة بالكذب: وهي أن يكذب الإنسان لإنسان من أجل أن يوليه، أو من أجل أن يأخذ له مالاً، أو من أجل أن يعمل عملاً هو غير مؤهل له، وغير ذلك.
ومما ينبه عليه في الشفاعة ما يقع من أن إنساناً يشفع لآخر عند إنسان، ثم يأخذ عليها هدية، وهذا غير جائز، ولو فعل أحد ذلك لدخل في الحديث الذي رواه الإمام أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من شفع لأخيه شفاعة، فأهدى له هدية فقبلها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا)، أي: ليس لك أن تطلب من أحد تشفعت له مالاً على هذه الشفاعة.
ولذا لو أن الإنسان عرف أن الكلمة التي سيقولها ستنفع فلاناً، غير مؤمل هدية أو أجراً؛ لأنه لا يجوز له أخذ هدية أو مقابل عليها، وأكد لمن سيستشفع له قائلاً: لن آخذ منك شيئاً بمقابل شفاعتي، كان له أن يقولها ولا شك أنه مأجور بقولها.
كما ينبغي للشافع أن لا يشفع إلا وهو على معرفة تامة بمن سيشفع له، ولا يثني عليه إلا بما هو فيه؛ لأنه إذا كان لا يعرفه كان ثناؤه عليه كذباً لا شفاعة.
وذكر أن ابن مسعود رضي تبارك وتعالى عنه، سئل عن السحت فقال: هو أن تشفع لأخيك شفاعة، فيهدي لك هدية فتقبلها.
قال له السائل: أرأيت إن كانت هدية في باطل؟ أي شفعت له ومكرت بمن شفعنا عنده حتى أعطانا حاجتنا، ثم أعطاني من شفعت له هدية عليها.
فقال ابن مسعود: ذاك كفر ذاك كفر! وكأنه يقصد هنا الزجر الشديد، ومنه قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:٤٤]، فكأن مقصد ابن مسعود التحذير من أكل الرشوة؛ لأنها قد تصل إلى أن الإنسان يرتشي في الحكم، فإذا ارتشى في الحكم بدل دين الله، فوقع في الكفر بالله، والعياذ بالله.