[الحث على العمل الصالح والنفقة وترك المفاخرة والتكاثر]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (أخرجت لنا عائشة رضي الله عنها كساء وإزاراً غليظاً قالت: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين) متفق عليه.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الحبلة، وهذا السمر، حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خلط) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً) متفق عليه].
وأحاديث أخرى من كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي رحمه الله تُذكر في باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها.
في هذا الباب ذكر قول الله عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:٥٩]، أي: الإنسان الذي يضيع الصلاة يضيع أعظم أركان الإسلام، ويضيع صلته بربه سبحانه، فينشغل عنها بشيء آخر من ملاذ الدنيا، وينشغل عنها بشهواته وبشبهاته، وينشغل عنها بماله وبنيه، وينشغل عن إرضاء الله عز وجل بما يرضي الشيطان.
فهنا هؤلاء الذين خلفهم الله عز وجل من بعد المؤمنين، ومن بعد الرسل عليهم الصلاة والسلام أقوام أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فالعقوبة أنهم يلقون غياً، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان:٧٠].
وقال سبحانه: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:٨]، وقال: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:١].
فالإنسان تلهيه الدنيا وتلهيه المكاثرة والمفاخرة فيها، فإذا به ينشغل وينسى الله سبحانه وتعالى، ولذلك كلما راعى الإنسان أمر الله عز وجل، وراقب نفسه، وعلم أنه مسئول عن كل ما يأتيه وكل ما يتركه، بدأ يتقلل من هذه الدنيا، وحتى ولو كان الله سبحانه وتعالى قد وسع عليه منها، فهو لا ينشغل بها انشغال الحارس عليها، يحرس الدنيا ويخاف ألا تضيع من يده، ولكنه ينشغل بطاعة الله سبحانه وتعالى فيما أولاه، فقد أعطاه مالاً وبنين، وكل ذلك من فضله ورحمته سبحانه وتعالى، فهو ينظر في هذه الأشياء ويؤدي الحقوق، عنده أولاد فلا يتكاثر ويقول: أنا عندي مال وعندي أولاد أكثر مما عندك، ولكن يفرغ نفسه لتربية هؤلاء الأولاد تربية ترضي ربه عنه وعنهم، وتجعل هذا الإنسان يوم القيامة في الجنة وأولاده أيضاً معه، قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:٢١].
فالله عز وجل يمن على الإنسان أن أعطاه الأولاد، وأن جعلهم مؤمنين فينشغل في تربيتهم على دين الله سبحانه، حتى يرضى الله عز وجل عنه وعنهم، وحتى يتبعهم به يوم القيامة، فيدخله الجنة ويدخل أولاده معه يوم القيامة.
وفرق بين إنسان أعطاه الله عز وجل نعمة المال ونعمة الولد ونعمة الزوجة، والنعم العظيمة التي ينعم الله بها على الإنسان في الدنيا، فينشغل في الاستعانة بهذه النعم على الطاعة؛ لأنه يريد أن يدخل الجنة، وبين أن ينشغل بالاستعانة بهذه النعم على المعاصي وعلى المفاخرة، وعلى الزهو والغرور، وفرق بين إنسان مؤمن وبين إنسان لا يعرف حق الله عز وجل في ذلك.
كذلك الإنسان ينفق من المال على نفسه، وينفقه على عياله، وعلى أقاربه، وينفق على المسكين واليتيم والأرملة، فيعطي حق الله سبحانه وتعالى وهو واثق أن المال لا ينقص أبداً، وهناك فرق بين هذا وبين من يكنز المال وكلما آتاه الله عز وجل شيئاً يدخر ويكنز ويخبئ وينكر نعمة الله، وينسى ربه سبحانه وتعالى، وينشغل بهذا المال كيف يخبئه حتى لا يراه أحد من الناس، فلا يعطي حق الله عز وجل في ذلك، ولا ينفق منه النفقة الواجبة ولا النفقة المستحبة.
وفرق بين من عرف الله ومن لم يعرف الله، من قدر الله حق قدره، ومن لم يقدر الله حق قدره، فالله سبحانه وتعالى يعلمنا أن نعطي الحقوق التي فرضها سبحانه كما أمر، وأن نعطيها بنية صالحة محتسبين الأجر عند الله، فلا ينقص المال من مثل هذه الصدقة.