[معرفة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة بآثار الوضوء]
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة) ويجوز أن تقول مقبرة بالفتح وبالكسر وبالضم فهي مثلثة الباء، فقال:(السلام عليكم دار قوم مؤمنين)، هذه سنة في زيارة القبور، فإذا جئت إلى القبور فسلم على أهل القبور بهذه التحية (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)، أي: كلنا ميتون، وقد قال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}[الزمر:٣٠]، فلا أحد سيخلد في هذه الدنيا، فالكل سيموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند المقابر وقد سلم على الأموات:(وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟!)، فالصحابة المؤمنون الأتقياء الأبرياء الأنقياء الذين قلوبهم مصابيح الدجى رضي الله تبارك وتعالى عنهم يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم أولسنا إخوانك؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد)، فكأنه يريد أن يبين لهم من يعني بذلك، وإلا فإن هؤلاء الأصحاب إخوانه، والله يقول:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:١٠]، فهم إخوة، ولكن الذين يعنيهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هم من لم يأتوا بعد، بل من لم يولدوا بعد من القرون التي تأتي بعد ذلك، (قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟!)، أي: أنت تعرفنا لكونك رأيتنا، لكن كيف ستعرف من يأتون بعدنا إلى يوم القيامة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟)، أي: لو أن رجلاً خيوله كلها سوداء، وله خيل غر محجلة ضمن هذه الخيول السوداء، والغر المحجلة: هي التي في رأسها ويديها بياض، ألا يستطيع أن يميز بين هؤلاء وهؤلاء؟ (فقالوا: بلى يا رسول الله! قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء)، فالنور الذي يكون للمؤمن يوم القيامة هو بسبب الوضوء.
قال:(وأنا فرطهم على الحوض)، أي: أنا سابقهم على الحوض واسمه: الكوثر، قال الله سبحانه:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}[الكوثر:١ - ٣]، والكوثر: هو حوض عظيم ماؤه أحلى من العسل، وأشد بياضاً من اللبن، وآنيته كعدد نجوم السماء، أي: لا أحد يستطيع أن يعدها لا علماء الفلك ولا غيرهم، فيشرب منه المؤمنون، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، نسأل الله عز وجل أن يسقينا من حوضه صلوات الله وسلامه عليه في أول من يسقيهم النبي صلوات الله وسلامه عليه.