[وجوب معرفة الفضل لأهل العلم وكبار السن]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل، وتقديمهم على غيرهم، ورفع مجالسهم، وإظهار مرتبتهم.
قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:٩].
وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه) رواه مسلم.
وعنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ثلاثاً، وإياكم وهيشات الأسواق) رواه مسلم].
باب آخر من كتاب رياض الصالحين يذكر فيه الإمام النووي رحمه الله توقير العلماء والكبار وأهل الفضل، ويذكر تقديمهم على غيرهم، ورفع مجالسهم، وإظهار مرتبتهم.
دين الإسلام دين عظيم يعلم المسلم أن يعرف حق الله سبحانه فيوحده، ويعبده ولا يشرك به شيئاً، وأن يعرف حق رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأنهم الذين بلغوا رسالات الله سبحانه، وأدوا أمانة الله سبحانه، فوجب على المسلم أن يعرف فضلهم، ويحترمهم، ويصلي على أولياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ويوقرهم، ويعرف قدرهم، ويذكر فضلهم بما ذكر الله وبما ذكر الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
ثم نبينا صلوات الله وسلامه عليه هو خاتمهم، وخيرهم، وسيدهم صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذي جاء بهذه الشريعة العظيمة ليعرف قدره، ويتبعه، ويعزره، ويوقره، ويحترم كلامه، ويؤثره على نفسه صلوات الله وسلامه عليه، ويعلم أنه أولى به من نفسه، فيعرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرف قدر أهل العلم الذين بلغوا رسالات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغوا شرعه وما أمر أن يبلغ صلوات الله وسلامه عليه، وهم ورثة الأنبياء، قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
يعرف الإنسان المسلم فضل كبار السن، وأنهم سبقوه بالإسلام، وبالصلاة لله وعبادته، وإن كان قد يفضل عليهم بأشياء أخر، ولكن لهم فضل التقدم في أعمارهم، وفضل كثرة عبادة الله سبحانه، فجاء القرآن والسنة بتقديم من يستحق التقديم، فذكر لنا سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:٩]، هنا استفهام إنكاري لتقرير الحكم، أي: لا يستوي الذين يعلمون مع الذين لا يعلمون، إنما يتذكر بالقرآن وبالموعظة أصحاب القلوب الصحيحة المستقيمة، ويعرض عن التذكرة أصحاب القلوب المريضة السقيمة، فلذلك ربنا سبحانه وتعالى يذكر أن الذي يستفيد وينتفع بهذا العلم هم أصحاب البصائر والألباب.