[ما يجوز استعماله من الأواني وما يحرم]
ذكر المصنف باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة، وجواز الكرع: وهو الشرب بالفم من النهر وغيره، بغير إناء ولا يد، وتحريم استعمال إناء الذهب والفضة في الشرب والأكل والطهارة وسائر وجوه الاستعمال.
جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: (حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار إلى أهله، وبقي قوم، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة)، فالناس كانوا موجودين مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولما حضرت الصلاة قام من كان قريب الدار إلى أهله ليتوضأ، إذ لم تكن لديهم في ذاك الزمان دورات للمياه، بل كان الصحابة يجلسون مع النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمهم ويؤدبهم عليه الصلاة والسلام، فلما قرب وقت الصلاة، قاموا من عنده صلى الله عليه وآله وسلم ليتوضئوا، ثم يرجعون للصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وبقي قوم معه صلى الله عليه وسلم (فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة)، والمخضب يطلق على الإناء المصنوع من الحجر، فأوانيهم كانت تصنع إما من الحجر أو النحاس ونحو ذلك.
قال: (فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه) عليه الصلاة والسلام، والمعنى: أنهم أتوا له بإناء من حجر صغير الحجم، عجزت كف النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل فيه.
قال: (صغر المخضب أن يبسط فيه كفه، فتوضأ القوم كلهم)، وهذا بركة من بركات النبي صلوات الله وسلامه عليه، حيث كان القاعدون معه صلى الله عليه وسلم يريدون أن يتوضئوا من ذلك الإناء، والإناء صغير لا يكفي لأكثر من واحد، ومع ذلك توضئوا منه جميعهم.
قال: (قالوا: كم كنتم؟) يسألون أنس: (كم كنتم؟ قال: ثمانين وزيادة) أي: كانوا ثمانين رجل توضئوا من إناء لا يكفي إلا أن يتوضأ منه واحد، وهذه بركة من بركات ربنا سبحانه جعلها في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وإنائه.
والشاهد من الحديث: أنه يجوز الوضوء في أي إناء من الأواني: كما يجوز استعماله في الأكل أو الشرب إلا أن يكون من ذهب أو فضة فذلك ممنوع.
وفي رواية له ولـ مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بإناء من ماء، فأتي بقدح رحراح فيه شيء من ماء)، أي: قدح متوسط، ليس بالكبير ولا بالصغير، ولكن فيه ماء قليل.
وذكر في الحديث السابق أنه لا يكفي النبي صلى الله عليه وسلم أن يضع فيه كفه ويبسطها فيه عليه الصلاة والسلام.
قال في رواية مسلم هنا: (فيه شيء من ماء، فوضع أصابعه فيه.
قال أنس: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه) عليه الصلاة والسلام، وليست بأول بركاته، بل بركاته عظيمة عليه الصلاة والسلام، وآيات معجزاته التي جعلها الله عز وجل له ومعه آيات عظيمة جداً عليه الصلاة والسلام.
قال: (فحزرت من توضأ؟) أي: خمنت عدد المتوضئين منه (ما بين السبعين إلى الثمانين).
حديث آخر في صحيح البخاري عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه، قال: (أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماءً في تور من صفر فتوضأ)، أي: أخرجوا له إناء من صفر أي: من نحاس، فتوضأ منه صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على جواز الوضوء من الأواني الطاهرة، والأكل والشرب فيها، إلا أواني الذهب والفضة.