وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ).
هذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه يقول:(كيف أنعم)، أي: كيف يتنعم بهذه الدنيا ويفرح ويسر فيها؟ وكيف يطيب العيش فوقها وقد اقتربت الساعة؟ قال الله عز وجل:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:١]، وقال تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}[النحل:١]، وقال تعالى:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}[الأنبياء:١].
فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما قرأ سورة هود وأمثالها مما فيه ذكر الآخرة، وذكر سؤال الله له سبحانه، وذكر الأشقياء والسعداء، قال:(شيبتني هود وأخواتها)، أي: يقرأ هذه السور فيشيب من ذكر ما فيها من الوعيد ومن التهديد ومن عذاب يوم القيامة.
يقول هنا:(كيف أنعم وصاحب القرن)، وهو إسرافيل عليه الصلاة والسلام.
(قد أخذ الصور) وهو البوق الذي سينفخ فيه فيموت الخلق، ثم ينفخ فيه مرة أخرى فيحيي الله عز وجل الخلق مرة ثانية.
والمعنى: كيف أنعم وهذا الملك قد أخذ البوق ووضعه على فيه ينظر إلى عرش الرحمن متى يأتيه الأمر فينفخ في الصور؟ فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك في حياته عليه الصلاة والسلام.
وقوله صلى الله عليه وسلم:(واستمع الإذن)، يعني: استمع وأصغى سمعه لإذن الله متى يؤذن له أن ينفخ فينفخ.
فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم:(قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل)، فهذا هو الأمر الذي أمرنا الله عز وجل به، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم به، قال:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}[التوبة:١٢٩].
فهذه كلمة عظيمة فيها التوكل على الله، وفيها الاكتفاء بالله سبحانه وتعالى، والركون إليه وحده لا شريك له، فهو حسبنا ونعم الوكيل، أي: كافينا الله، من هموم الدنيا والآخرة.