[تاج الدنيا رضا الله ومحبته]
الإنسان المؤمن يحرص أن يقبل على الآخرة، وأن تكون الدنيا في يده لا في قلبه، ولا ينشغل بها، يطلب منه ربه سبحانه أنه يمشي في الأرض، (سيروا في الأرض) {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك:١٥] خذ بأسباب طلب الرزق، وحصل من الرزق ما تعول به نفسك وتعول به من يجب عليك عولهم، وتنفق به على نفسك وعلى عيالك، ولكن لا يكن الهم الأكبر للإنسان هو طلب الدنيا، وليكن همه في رضا الله تبارك وتعالى.
جاء في الحديث: (من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس).
فالإنسان المؤمن يطلب من الدنيا ما ينتفع به، ويطلب الدار الآخرة، فيرجو ثواب ربه في كل أحواله، في عمله في قيامه في قعوده في منامه في توجهه للعمل في توجهه لبيت الله تبارك وتعالى في دخوله بيته في خروجه منه يرجو ربه في كل شيء، ويحرص على أن ينتفع في دينه هذا، يريد محبة الله سبحانه، ويريد محبة الناس أيضاً.
محبة الناس عظيمة، إذا مات يدعون له، ويصلون عليه، ويذكرونه بخير، إذا علمهم شيئاً لا يزال يتناقل هذا الذي علمهم فيكون له أجر ولو بعد وفاته.
إذاً: أحبب ربك سبحانه وتعالى وافعل ما يحبه الله، وأحبب المؤمنين، والمسلمين، وأحبب نفع الناس كما تحب نفع نفسك، فينتفع الناس بك ويكون لك الأجر عند الله، وفي الحديث: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس).
الغرض: أن المؤمن يقضي حياته ويعلم أنها ماضية، وأن اليوم الذي يمر لا يرجع أبداً، لذلك يحاول أن يحصل ما ينتفع به في الدار الآخرة، وكثير من الناس عندما يتكلم يقول لك: أهم حاجة الصحة، والثاني يقول لك: أهم حاجة الغنى! أهم حاجة المال! وأهم شيء في هذه الدنيا أن ترضي ربك سبحانه وتعالى، إذا أرضيت الله سبحانه رضي عنك وأرضى عنك خلقه، وأتتك الدنيا وهي راضية، وإذا تركت رضا الله سبحانه وسخط عليك لم تنتفع بشيء مما تأخذه من الدنيا؛ لأن الذي يسخط الله يغضب الله عليه، ويغضب عليه الخلق، ويظل منشغلاً بها حتى يتوجه من غضب الله في الدنيا إلى غضب الله في الآخرة.
فلابد للإنسان المؤمن أن يعرف كيف يرضي الله تبارك وتعالى، ترضي ربك بعبادتك، وترضي ربك سبحانه بأن يكون عمرك كله عبادة لله سبحانه، فهذا هو المفهوم الواسع للعبادة، فعبادة الله سبحانه أن تطوع نفسك لأن ترضي الله سبحانه، فتدخل في صلاتك وترضي ربك بهذه الصلاة، وتصوم لله عز وجل فريضة أو نافلة فترضي ربك بذلك، وتحافظ على نفسك ولسانك من الآفات ومن الوقوع في المحارم، ترضي ربك سبحانه وتعبده وأنت في عملك، كيف ينتفع الناس من ورائك؟ وتنفعهم بالحلال، تنفعهم بأن ترضي الله سبحانه تبارك وتعالى، فتدفع عنهم الشرور، وتكون أنت في عملك وسيلة لنفع الناس ولدعوة الناس إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، فإذا رأيت الناس أحبوك وأحبوا دين الله لأنك تمثل هذا الدين العظيم، وأنت قدوة في ذلك، فهنا ترضي ربك بعملك بعبادتك في كل أوقاتك.
إذا رأيت الناس ذكروا الله سبحانه وتعالى فارض ربك ولا تتكلم فيما لا يعنيك، الشيء الذي لا يعنيك من الأمور قد ترغب فيه كثيراً وتتكلم فيه كثيراً وتقوم فتسمع ما لا يرضيك في النهاية، لعلك تتكلم بالشيء تظنه من الدين، ولكن في النهاية يكون سفسطة وجدلاً عقيماً، وفي النهاية تجد من كان يرضيك بالكلام يسخط عليك بعد ذلك.
لا تتكلم إلا بما يرضي الله سبحانه، إذا سألت فاسأل فيما ينفعك، واسأل فيما يرفعك عند الله عز وجل، ولا تسأل في شيء يدل على جهلك وحماقتك، ويدل على أنك مستخف بدين الله سبحانه، ويدل على أنك مستخف بأوقات الناس الذين تسألهم.
اعلم أن العمر يسير قليل، إذا كان وقتك كثيراً وفراغك كثيراً فغيرك قد شغل نفسه بطاعة الله عز وجل فلا وقت عنده لك، ولا لجدلك ولا لسفسطتك، نجد بعض الشباب يحب أن يسأل كثيراً، يجلس معك يريد أن يسألك سؤالاً، فلعلك تتنزل معه في
السؤال
فتدعوه لأجل أن يواظب على المسجد ويواظب على الصلاة، لكنه استحلى نفسه وأسئلته فيسأل عن شيء وراء شيء بحيث إنه يضيع لك وقتك، وتجد في أسئلته أنه يضرب الدين بعضه ببعض، ويستفسر عن أشياء يستحي أن يتكلم فيها عن إنسان فيتكلم فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستحي من نفسه، فهذا لا يستحق أن يجاب عن أسئلته.
إذا كنت تجعل النبي صلى الله عليه وسلم كأحد من البشر وتتكلم عنه بمنتهى البساطة وتريد أن تسأل وتريد أن تتعلم بقلة أدب فلا، لا بد أن تعرف كيف توقر النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف تتكلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أنه ليس كل ما يحصل في قلبك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وسوسة تذهب تتكلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا سوء أدب، فتعلم الأدب، وتعلم أن تنشغل بطاعة الله، وتبجيل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لذلك أقول لإخواننا الشباب: أنا أحب أن أسلم عليكم كلكم كل يوم فالسلام فيه ثواب، لكن ليس كوني أسلم عليك معناه أن أفتح لك باب السؤال، وليس معنى أني أسمع لك مرة أنك كلما تنظرني تريد أن تسألني سؤالاً، وليس معنى ذلك أن كل وسوسة في صدرك أو في عقلك تتكلم بها حتى تصل للنبي صلى الله عليه وسلم تتكلم عنه في ذلك.
فإذا كنت موسوساً فعلاجك عند الطبيب النفسي وليس في المسجد، لا بد أن يكون سؤالك سؤالاً يستحق الجواب، وسؤالاً تتعلم منه، أما مجرد أنك فكرت في النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان يأكل؟! كيف كان يعيش؟! كيف كان يعاشر نساءه؟! وكيف كان يستحم؟! أسئلة من وساوس الشيطان تلقيها حتى تنزل من قدر النبي صلى الله عليه وسلم فلا تستحق أن يجيبك أحد، ولذلك البعض قد يغضب حين يسأل سؤالاً فيقال له: امش! امش! فلذلك نرجو من إخواننا إذا كنا في المسجد أن نتعلم الكتاب والسنة، ونتعلم من دين الله تبارك وتعالى قال الله قال الرسول قال علماء الصحابة قال السلف كذا، وإذا كنت تريد أن تتعلم فاحضر وتعلم، أما التعلم عن طريق السؤال فقط فلسنا فارغين للسؤال والجواب طوال النهار.
نقول للإخوة: نحن نشرح في كتب السنة، شرحنا الكتب السبعة خلال خمسة وعشرين سنة ونحن موجودون في المسجد، فاحضر وتعلم مع الناس، تتعلم آية آية وحديثاً حديثاً في النهاية تعرف ما هو العلم الشرعي، أما أنه كل ما يخطر على بالك من سؤال تجيء به لتضيع أوقات الناس فلا.
ثم الأسئلة هي عندكم درستموها معنا دراسة طويلة جداً خلال سنين طويلة فدرستم وتعلمتم، فاقعدوا وأجيبوا عن أسئلة الإخوة، فالذي عنده سؤال يريد أن يستفيد منه ويعرف موضعه فليذهب إلى الإخوة ويسأل، أما أن تضيع وقتي فلا، ولذا كان أحد الإخوة معي في العيادة وهي مزحومة من الناس حتى أنهم يحجزون قبل أسبوع أمام العيادة، وصاحبنا واقف على باب العيادة يسألني ويريد أن أجيب والناس حوله متضايقون والوقت ضيق وأريد أن أستعجل لأجل أن أعطيكم درس العشاء، وعندما أقول: كفاية حرام عليك الناس يتضايقون يعض على أسنانه حرجاً وكذا كأنه يريد أن يظهر لي الأدب! يعني: أنت تريد أن تتعلم فاذهب وافتح الكتب واعرف منها الأجوبة، فليس عندنا وقت للأسئلة، وإذا أردت أن تعرف مكان السؤال والجواب ففي المكتبة موجود هذا الشيء.
أما الأسئلة من نوعية أن النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان يغتسل؟ ولما كان يغتسل كان يقعد هو وزوجته عرايا أمام بعض كل ينظر إلى الآخر؟ فالذي يسأل مثل هذا السؤال إنسان سافل! نقول: النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل، واغتسل هو وعائشة وكانت تقول له: (دع لي ويقول لها: دعي لي)، فأين الحديث من هذا الأسلوب؟ أما أن تتجرأ بالتفاهة وقلة الأدب بالسؤال هذا وتريد التوضيح الشديد الذي فيه، فهذه تفاهة! خرجت عن الدرس ولكن أحياناً الإنسان يتضايق، نقوم نصلي الفجر أجد صاحبنا واقفاً ينتظرني، وإذا صليت الظهر أجد غيره واقفاً ينتظرني، وهكذا في كل صلاة، وأنت عندما تسأل أسئلة لا يحتاج إليها، فأنت تضيع الوقت على الناس فهم سيذهبون طالما أنك ستفتح باب النقاش والجدل، فهو قد يضيع على غيره سؤالاً قد يحتاج إلى أن يسأل عنه.
هذا شخص يسأل عن أضحية حقه اشتراها سليمة ولم يبق إلا يومان إلى وقت الأضحية فجاءت سيارة صدمتها فكسرت يدها، وهو قد نواها وعينها أضحية، فما الحكم الذي فيها؟ أظن هذا لا يتأخر في الإجابة عنه، نقول لهذا الإنسان: أنت نويت الأضحية، وعينت هذه الأضحية فاذبحها أضحية ولا تكلف أن تأتي بغيرها، ويفرق بين هذا وبين إنسان ذهب يشتري أضحية فانتقى المريضة أو العوراء فهذا لا يصح، وأما هذه المسألة فحصل فيها الحادث بعدما اشترى الأضحية.