للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب العطاس والتثاؤب]

يقول الإمام النووي: [باب استحباب تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى، وكراهة تشميته إذا لم يحمد الله تعالى، وبيان آداب التشميت والعطاس والتثاؤب].

هذه أحوال تحصل للإنسان فتراه يعطس، أو يتثاءب مع قلة النوم، فالإمام النووي يقول: استحباب تشميت العاطس، يعني: تقول له: يرحمك الله، بقيد أنه إذا حمد الله سبحانه وتعالى.

فإذا عطس الإنسان وحمد الله استحق التشميت، وكلمة تشمته معناها: أن تقول له: يرحمك الله.

واختلفوا في نطقها بالسين أو بالشين، ولكليهما معنى، فتقول بالسين: سمت الإنسان يعني: دعوت له أن يكون على سمت حسن، وتقول: شمت الإنسان؛ من الشماتة هذا من معانيها، كأنك تشمته في الشيطان، فالشيطان لا يريد لابن آدم أن يعطس، فأنت عندما تقول له: يرحمك الله، تدعو له بالرحمة، فتشمته هو في الشيطان، ولا تشمت الشيطان فيه.

إذاً: هنا من الشماتة بمعنى: الفرح بما يسوء الغير، فكأنك تفرحه بما يسوء الشيطان، ويسوء الشيطان أن تدعو له وتقول: يرحمك الله، فأنت تشمت أخاك كأنك تشمته في الشيطان، أو تسيء للشيطان بذلك أن تقول لأخيك: يرحمك الله، أو من الشوامت، والشوامت تطلق على القوائم، كأنك تشمته يعني: تدعو له بالبقاء قائماً، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعطس، والعطسة تخرج من هواء يدخل بضغط عالٍ جداً، ولعل الإنسان في خلالها ينحل بدنه مع العطسة ومع شدة هذا العطاس، أو تنفجر بعض العروق الموجودة بداخله.

فإذا عطس الإنسان تقول له: يرحمك الله، أي: تدعو له بالرحمة، ويجعله باقياًَ على سمت حسن، وقائماً على شوامته، أي: قوائمه، وعلى ذلك فإن العطسة لا تضره، هذا من معاني التشميت.

من الأحاديث التي في هذا الباب: حديث لـ أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يحب العطاس).

العطاس: مصدر، ومعنى الله يحب العطاس ليس العطاس نفسه، ولكن يحب صاحبه؛ لأن العاطس يحمد الله سبحانه وتعالى، فيحب منه أن يعطس ويحمد الله سبحانه.

قال: (ويكره التثاؤب)، وهنا الكراهة لصاحبه الذي يتثاءب، وإما أن يكون الإنسان مضطراً بذلك فهو معذور لا شيء عليه، ومثل الإنسان مع سهره الليل ويحرص على صلاة الفريضة فيتثاءب فيها من السهر.

فهنا الكراهة للتثاؤب إذا كان دليلاً على كسل صاحبه، والتثاؤب دليل على كسل الإنسان في الغالب، وإن كان في بعض الأحوال دليل على أنه سهر في قيام الليل أو في غيره، ولكن إذا كان دليلاً على الكسل فهو في هذه الحالة مكروه.

ويكره التثاؤب؛ لأن الشيطان يحب هذه الهيئة، يحب من المسلم أن يكون كسلان أو أن يكون نائماً أو بعيداً عن العبادة، ويحب أن يضحك عليه، فإذا تثاءب الإنسان وقال: هاه، يضحك الشيطان ويتفل في فمه وهو على هذه الحالة ويسخر منه؛ لذلك يكره الله ما يحبه الشيطان.

فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله).

إذا عطس المؤمن بقيد أن يقول: الحمد لله، فحق عليك أن تشمته، هذا حق ضد الهزل وضد الباطل، حق على كل مسلم، فهو سنة مؤكدة وفرض فرض كفائي، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، لكن يستحب للجميع أن يشمتوا هذا الإنسان الذي يعطس ويقول: الحمد لله.

فقال: (إذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان).

لذلك يكره الله عز وجل التثاؤب؛ لأن الشيطان يفرح بهيئة المسلم وهو يتثاءب دليلاً على الكسل ودليلاً على قبح هيئته في هذه الحال.