[حب النبي صلى الله عليه وسلم لربه سبحانه وتعالى]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين: أما بعد: قال الإمام النووي رحمه الله: [باب فضل الحب في الله والحث عليه وإعلام الرجل الذي يحبه أنه يحبه، وماذا يقول له إذا أعلمه.
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار)، متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، متفق عليه].
لقد ذكرنا حديث أنس فيما سبق، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاث خصال من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، وكل إنسان مؤمن يحب أن يتذوق طعم الإيمان وحلاوة الإيمان، فأمر الإيمان ليس تمنياً وليس أمراً خيالياً.
ولكن الإيمان يقر في قلب الإنسان ويصدقه عمل الإنسان، فإذا وقر الإيمان في قلبك وصدقه عملك، وشعرت بحب الطاعة وبحب الله سبحانه وتعالى، ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه ومن يحب الله سبحانه ويحب رسوله صلوات الله وسلامه عليه، إذا شعرت بذلك وجدت حلاوة الإيمان.
فلأجل أن يجد المرء حلاوة الإيمان فلابد من أمور: الأمر الأول: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما: يحب الله سبحانه ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ويفضلهما على ما سواهما في الحب، فالأصل حب الله وحب الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
وإذا كان الإنسان يفضل غير ذلك فإن حبه سيمنعه من الطاعة طبعاً، وكل إنسان لو سئل: هل تحب الله عز وجل أكثر أم تحب أهلك وعيالك؟ يقول: أحب الله أكثر ولا شك في ذلك، ولكن المحك في ذلك وقت التطبيق، فإذا ابتلاه الله عز وجل بشيء هل يسخط على الله سبحانه وتعالى؟ فإذا كان يسخط على الله إذا ابتلاه فيما يحبه دل على أنه يفضله على حبه لله سبحانه وتعالى.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما توفى الله عز وجل ابنه إبراهيم عليه السلام، إذا به تدمع عيناه صلى الله عليه وسلم، والحزن جبلة في الإنسان على وفاة حبيبه.
فحزن النبي صلى الله عليه وسلم على وفاة ابنه، ودمعت عيناه، ولكن لم يتكلم إلا بما يرضي الله سبحانه وتعالى، فإذا به يقول: (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون).
والنبي صلى الله عليه وسلم قد امتلأ حناناً ورأفة ورحمة، فكيف يموت ولده ثم يظل يضحك، فهذا لا يمكن أبداً لأنه كان رفيقاً رقيقاً.
فهو يحزن صلى الله عليه وسلم لأنه بشر يحب ابنه صلوات الله وسلامه عليه، فحزن ودمعت عيناه ولكنه لم يتضجر من هذا الأمر لأن ما عند الله خير له مما في الدنيا، فرضي بقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى.
يقول: (وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، ومع ذلك لا نقول إلا ما يرضي ربنا، لا ما يسخط الله، فضرب المثل صلى الله عليه وسلم والقدوة الحسنة في ذلك كما ضربها في غير ذلك: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب:٢١].
ولما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم انكسفت الشمس، فإذا بالصحابة يقولون: انكسفت لموت إبراهيم، والإنسان إذا كان في مثل هذه المصيبة لن يخطر على باله ما يقوله الناس لأنه غير منتبه لهذا الأمر بسبب مصيبته.
إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه وقف للناس ليردهم عن قولهم وقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا كان ذلك فافزعوا إلى الصلاة)، فأمرهم أن يصلوا صلوات الله وسلامه عليه.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فعلى ذلك لابد أن يصحح لهم مفهوماً خاطئاً يتكلمون به ويفهمونه، حتى ولو كان حزيناً على وفاة ابنه.
وهناك واقعة أخرى حدثت له صلى الله عليه وسلم: ففي يوم بدر، نصر الله عز وجل المؤمنين، وماتت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، ففي فرحة الناس في هذا اليوم بنصر الله وابنته تموت صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك أخفى حزنه عن الناس.
فلم يظهر حزنه للناس لأنهم كانوا فرحين بنصر الله عز وجل لهم في هذا اليوم الذي كان فيه أول وقعة حقيقية بين عسكر الكفر وعسكر الإيمان، بل تجاوز أحزانه صلى الله عليه وسلم، وأظهر فرحه بنصر الله عز وجل للمؤمنين.
فحب الله عز وجل وحب دين الله سبحانه وتعالى هو الذي جعل نبيه صلى الله عليه وسلم ينطق بالحق في كل موطن، ولذلك لما سألوه: (نكتب عنك يا رسول في حال غضبك فقال: اكتبوا، فوالذي نفسي بيده لا يخرج منه إلا الحق) فهو لا ينطق بالهوى ولكن ينطق بالحق.
فكلما أراد الإنسان الأسوة الحسنة والقدوة العظيمة، فإن أسوته وقدوته في النبي صلوات الله وسلامه عليه، إذا أصابه هم أو حزن أو مصيبة، ما كان لينسى دين الله سبحانه وتعالى.
والإنسان مخلوق في الدنيا ليبتلى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:٢] مخلوق في الدنيا ليمتحن: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:١٥٥ - ١٥٧] فضلان من الله عز وجل: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٧] وهداية من الله عز وجل لهؤلاء، فالإنسان المؤمن يبتليه ربه لينظر أيكم أحسن عملاً، فالمؤمن ينظر إلى الدنيا أنها دار بلاء ودار محن ودار اختبار والنتيجة عند الله يوم القيامة فإذا ابتلاه الله فليأتس بالنبي صلوات الله وسلامه عليه وليقتد به فقد ابتلي وصبر صلوات الله وسلامه عليه.