يا ذا القرنين، فقال: اللهمّ غفرا، أما رضيتم أن تسموا بأسماء الأنبياء، حتى تسموا بأسماء الملائكة؟ فإن كان رسول الله قال ذلك، فالحق ما قال، والباطل ما خالفه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، قال: فحدثني من لا أتهم عن وهب بن منبه اليماني، وكان له علم بالأحاديث الأول، أنه كان يقول: ذو القرنين رجل من الروم، ابن عجوز من عجائزهم، ليس لها ولد غيره، وكان اسمه الإسكندر. وإنما سمي ذا القرنين أن صفحتي رأسه كانتا من نحاس؛ فلما بلغ وكان عبدا صالحا، قال الله عزّ وجل له: يا ذا القرنين إني باعثك إلى أمم الأرض، وهي أمم مختلفة ألسنتهم، وهم جميع أهل الأرض، ومنهم أمتان بينهما طول الأرض كله؛ ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض كله، وأم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج. فأما الأمتان اللتان بينهما طول الأرض: فأمة عند مغرب الشمس، يقال لها: ناسك. وأما الأخرى: فعند مطلعها يقال لها: منسك. وأما اللتان بينهما عرض الأرض، فأمة في قطر الأرض الأيمن، يقال لها: هاويل. وأما الأخرى التي في قطر الأرض الأيسر، فأمة يقال لها: تاويل؛ فلما قال الله له ذلك، قال له ذو القرنين: إلهي إنك قد ندبتني لأمر عظيم لا يَقدر قدره إلا أنت، فأخبرني عن هذه الأمم التي بعثني إليها، بأيّ قوة أكابدهم، وبأيّ جمع أكاثرهم، وبأيّ حيلة أكايدهم، وبأيّ صبر أقاسيهم، وبأيّ لسان أناطقهم، وكيف لي بأن أفقه لغاتهم، وبأىّ سمْع أعي قولهم، وبأيّ بصر أنفذهم، وبأيّ حجة أخاصمهم، وبأيّ قلب أعقل عنهم، وبأيّ حكمة أدبر أمرهم، وبأيّ قسط أعدل بينهم، وبأيّ حلم أصابرهم، وبأيّ معرفة أفصل بينهم، وبأيّ علم أتقن أمورهم، وبأيّ يد أسطو عليهم، وبأيّ رجل أطؤهم، وبأيّ طاقة أخصمهم، وبأيّ جند أقاتلهم، وبأيّ رفق أستألفهم، فإنه ليس عندي يا إلهي شيء مما ذكرت يقوم لهم، ولا يقوى عليهم ولا يطيقهم. وأنت الربّ الرحيم. الذي لا يكلِّف نفسا إلا وسعها، ولا يحملها إلا طاقتها، ولا يعنتها ولا يفدحها، بل أنت ترأفها (١) وترحمها.
قال الله عزّ
(١) يقال: رأف به يرأف: إذا رحمه، وهو بوزن فتح وكرم وفرح، ويعدى بالباء، كما في اللسان، ولعل هنا مضمن معنى رئمه، فعدى بنفسه، أو محرف عن ترأمها.