وجلّ: إني سأطوّقك ما حمَّلتك، أشرح لك صدرك، فيسع كلّ شيء وأشرح لك فهمك فتفقه كلّ شيء، وأبسط لك لسانك، فتنطق بكلّ شيء، وأفتح لك سمعك فتعي كلّ شيء، وأمدّ لك بصرك، فتنفذ كلّ شيء، وأدبر أمرك فتتقن كلّ شيء، وأحصي لك فلا يفوتك شيء، وأحفظ عليك فلا يعزب عنك شيء، وأشدّ لك ظهرك، فلا يهدّك شيء، وأشدّ لك ركنك فلا يغلبك شيء، وأشدّ لك قلبك فلا يروعك شيء، وأسخر لك النور والظلمة، فأجعلهما جندا من جنودك، يهديك النور أمامك، وتحوطك الظلمة من ورائك، وأشدّ لك عقلك فلا يهولك شيء، وأبسط لك من بين يديك، فتسطو فوق كلّ شيء، وأشدّ لك وطأتك، فتهدّ كل شيء، وألبسك الهيبة فلا يرومك شيء.
ولما قيل له ذلك، انطلق يؤم الأمة التي عند مغرب الشمس، فلما بلغهم، وجد جمعا وعددا لا يحصيه إلا الله، وقوة وبأسا لا يطيقه إلا الله، وألسنة مختلفة وأهواء متشتتة، وقلوبا متفرّقة، فلما رأى ذلك كاثرهم بالظلمة، فضرب حولهم ثلاثة عساكر منها، فأحاطتهم من كلّ مكان، وحاشتهم حتى جمعتهم قي مكان واحد، ثم أخذ عليهم بالنور، فدعاهم إلى الله وإلى عبادته، فمنهم من آمن له، ومنهم من صدّ، فعمد إلى الذين تولوا عنه. فأدخل عليهم الظلمة.فدخلت في أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم، ودخلت في بيوتهم ودورهم، وغشيتهم من فوقهم، ومن تحتهم ومن كلّ جانب منهم، فماجوا فيها وتحيروا، فلما أشفقوا أن يهلكوا فيها عجوا إليه بصوت واحد، فكشفها عنهم وأخذهم عنوة، فدخلوا في دعوته، فجنَّد من أهل المغرب أمما عظيمة، فجعلهم جندا واحدا، ثم انطلق بهم يقودهم، والظلمة تسوقهم من خلفهم وتحرسهم من حولهم، والنور أمامهم يقودهم ويدلهم، وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى، وهو يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن التي يقال لها هاويل. وسخر الله له يده وقلبه ورأيه وعقله ونظره وائتماره، فلا يخطئ إذا ائتمر، وإذا عمل عملا أتقنه. فانطلق يقود تلك الأمم وهي تتبعه، فإذا انتهى إلى بحر أو مخاضة بنى سفنا من ألواح صغار أمثال النعال، فنظمها في ساعة، ثم جعل فيها جميع من معه من تلك الأمم وتلك الجنود، فإذا قطع الأنهار والبحار فتقها، ثم دفع إلى كلّ إنسان لوحا فلا يكرثه حمله،