للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عما هو صانع إذا هو غير وبدل حكم آية أن يعقب ذلك بالخبر عما هو صانع، إذا هو لم يبدل ذلك ولم يغير. فالخبر الذي يجب أن يكون عقيب قوله: (ما ننسخ من آية) . قوله: أو نترك نسخها، إذ كان ذلك المعروف الجاري في كلام الناس. مع أن ذلك إذا قرئ كذلك بالمعنى الذي وصفت، فهو يشتمل على معنى"الإنساء" الذي هو بمعنى الترك، (١) ومعنى "النَّساء" الذي هو بمعنى التأخير. إذ كان كل متروك فمؤخر على حال ما هو متروك.

* * *

وقد أنكر قوم قراءة من قرأ: (أو نَنْسها) ، إذا عني به النسيان، وقالوا: غير جائز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نسي من القرآن شيئا مما لم ينسخ، إلا أن يكون نسي منه شيئا، ثم ذكره. قالوا: وبعد، فإنه لو نسي منه شيئا لم يكن الذين قرءوه وحفظوه من أصحابه، بجائز على جميعهم أن ينسوه. قالوا: وفي قول الله جل ثناؤه: (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) [الإسراء: ٨٦] ، ما ينبئ عن أن الله تعالى ذكره لم ينس نبيه شيئا مما آتاه من العلم.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا قول يشهد على بطوله وفساده، الأخبار المتظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بنحو الذي قلنا.

١٧٦٩ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا أنس بن مالك: أن أولئك السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة، قرأنا بهم وفيهم كتابا:"بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا". ثم إن ذلك رفع. (٢)


(١) قد رد أهل اللغة أن يكون الإنساء بمعنى الترك، وقالوا: إنما يقال نسيت: إذا تركت، لا يقال: أنسيت، تركت. وانظر ما جاء في ذلك في اللسان (نسي) ، وسائر كتب التفسير.
(٢) الحديث: ١٧٦٩ - يزيد بن زريع - بضم الزاي - العيشي: ثقة حافظ حجة، روى عنه شعبة والثوري وغيرهما من الكبار. مترجم في التهذيب، والكبير ٤/٢/٣٣٥، وابن سعد ٧ / ٢ / ٤٤ وابن أبي حاتم ٤/٢/٢٦٣ - ٢٦٥. وسعيد: هو ابن أبي عروبة.
وهذا الحديث مختصر من حديث لأنس، في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة. ورواه الأئمة عن أنس، من أوجه مختلفة.
فمن ذلك: أنه رواه البخاري ٧: ٢٩٧ (فتح الباري) ، عن عبد الأعلى بن حماد، عن يزيد بن زريع، بهذا الإسناد. وفي آخره: "قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنا، ثم إن ذلك رفع: بلغوا عنا قومنا، أنا قد لقينا ربنا، فرضي عنا وأرضانا".
وروى مسلم ١: ١٨٧ - ١٨٨، من رواية مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس. وانظر تفصيل ذلك في تاريخ ابن كثير٤: ٧١ - ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>