للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنما أصابك ما أصابك بغير ذنب أذنبته، مثل هذه الحدّة، وهذا القول أنزلك هذه المنزلة، عظُمت خطيئتك، وكثر طلابك، وَغَصَبْت أهل الأموال على أموالهم، فلبست وهم عراة، وأكلت وهم جياع، وحبست عن الضعيف بابك، وعن الجائع طعامك، وعن المحتاج معروفك، وأسررت ذلك وأخفيته في بيتك، وأظهرت أعمالا كنا نراك تعملها، فظننت أن الله لا يجزيك إلا على ما ظهر منك، وظننت أن الله لا يطلع على ما غيبت في بيتك، وكيف لا يطَّلع على ذلك وهو يعلم ما غيَّبت الأرضون وما تحت الظلمات والهواء؟.

قال أيوب صلى الله عليه وسلم: إن تكلمت لم ينفعني الكلام، وإن سكت لم تعذروني، قد وقع عليّ كَيْدي، وأسخطت ربي بخطيئتي، وأشمتّ أعدائي، وأمكنتهم من عنقي، وجعلتني للبلاء غَرَضا، وجعلتني للفتنة نُصبا، لم تنفسني مع ذلك، ولكن أتبعني ببلاء على إثر بلاء، ألم أكن للغريب دارا، وللمسكين قرارا، ولليتيم وليًّا، وللأرملة قَيِّما؟ ما رأيت غريبا إلا كنت له دارا مكان داره وقرارا مكان قراره، ولا رأيت مسكينا إلا كنت له مالا مكان ماله وأهلا مكان أهله، وما رأيت يتيما إلا كنت له أبا مكان أبيه، وما رأيت أيِّما إلا كنت لها قيِّما ترضّى قيامه، وأنا عبد ذليل، إن أحسنت لم يكن لي كلام بإحسان، لأن المنّ لربي وليس لي، وإن أسأت فبيده عقوبتي، وقد وقع عليّ بلاء لو سلَّطته على جبل ضعف عن حمله، فكيف يحمله ضعفي؟.

قال أليفز: أتحاجّ الله يا أيوب في أمره، أم تريد أن تناصفه وأنت خاطئ، أو تبرئها وأنت غير بريء؟ خلق السماوات والأرض بالحقّ، وأحصى ما فيهما من الخلق، فكيف لا يعلم ما أسررت، وكيف لا يعلم ما عملت فيجزيَك به؟ وضع الله ملائكة صفوفا حول عرشه وعلى أرجاء سماواته، ثم احتجب بالنور، فأبصارهم عنه كليلة، وقوّتهم عنه ضعيفة، وعزيزهم عنه ذليل، وأنت تزعم أن لو خاصمك، وأدلى إلى الحكم معك، وهل تراه فتناصفه، أم هل تسمعه فتحاوره؟ قد عرفنا فيك قضاءه، إنه من أراد أن يرتفع وضعه، ومن اتضع له رفعه.

قال أيوب صلى الله عليه وسلم: إن أهلكني فمن ذا الذي يعرض له في عبده ويسأله عن أمره، لا يردّ غضبه شيء إلا رحمته، ولا ينفع عبده إلا التضرّع

<<  <  ج: ص:  >  >>