له، قال: ربّ أقبل عليّ برحمتك، وأعلمني ما ذنبي الذي أذنبت؟ أو لأيّ شيء صرفت وجهك الكريم عني، وجعلتني لك مثل العدوّ، وقد كنت تكرمني، ليس يغيب عنك شيء تُحصي قَطْر الأمطار، وورق الأشجار، وذرّ التراب، أصبح جلدي كالثوب العفن، بأيه أمسكت سقط في يدي، فهب لي قُربانا من عندك، وفرجا من بلائي، بالقدرة التي تبعث موتى العباد، وتنشر بها ميت البلاد، ولا تهلكني بغير أن تعلمني ما ذنبي، ولا تُفسد عمل يديك، وإن كنت غنيا عني، ليس ينبغي في حكمك ظلم، ولا في نقمتك عَجَل، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، وإنما يعجل من يخاف الفوت، ولا تذكرني خطئي وذنوبي، اذكر كيف خلقتني من طين، فجُعِلت مضغة، ثم خلقت المضغة عظاما، وكسوت العظام لحما وجلدا، وجعلت العصب والعروق لذلك قَواما وشدة، وربَّيتني صغيرا، ورزقتني كبيرا، ثم حفظت عهدك وفعلت أمرك، فإن أخطأت فبين لي، ولا تهلكني غمًّا، وأعلمني ذنبي، فإن لم أرضك فأنا أهل أن تعذّبني، وإن كنت من بين خلقك تحصي عليّ عملي، وأستغفرك فلا تغفر لي، إن أحسنت لم أرفع رأسي، وإن أسأت لم تبلعني ريقي، ولم تُقِلني عثرتي، وقد ترى ضعفي تحتك، وتضرّعي لك، فلم خلقتني، أو لم أخرجتني من بطن أمي، لو كنت كمن لم يكن لكان خيرا لي، فليست الدنيا عندي بخطر لغضبك، وليس جسدي يقوم بعذابك، فارحمني وأذقني طعم العافية من قبل أن أصير إلى ضيق القبر وظلمة الأرض، وغمّ الموت.
قال صافر: قد تكلمت يا أيوب، وما يطيق أحد أن يحبس فمك، تزعم أنك بريء، فهل ينفعك إن كنت بريئا وعليك من يحصي عملك، وتزعم أنك تعلم أن الله يغفر لك ذنوبك، هل تعلم سَمْك السماء كم بُعده؟ أم هل تعلم عمق الهواء كم بعده؟ أم هل تعلم أيّ الأرض أعرضها؟ أم عندك لها من مقدار تقدرها به؟ أم هل تعلم أيّ البحر أعمقه؟ أم هل تعلم بأيّ شيء تحبسه؟ فإن كنت تعلم هذا العلم وإن كنت لا تعلمه، فإن الله خلقه وهو يحصيه، لو تركت كثرة الحديث، وطلبت إلى ربك رجوتَ أن يرحمك، فبذلك تستخرج رحمته، وإن كنت تقيم على خطيئتك وترفع إلى الله يديك عند الحاجة وأنت مُصِرّ على ذنبك إصرار الماء الجاري في صَبَب لا يستطاع إحباسه، فعند طلب الحاجات