للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو وَجب أنْ يكون معنى قوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فإذا ألَّفناه فاتبع ما ألَّفنا لك فيه - لوجب أن لا يكون كان لزِمه فرضُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ولا فرضُ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} [سورة المدثر: ١، ٢] قبل أن يؤلَّف إلى ذلك غيرُه من القرآن. وذلك، إنْ قاله قائل، خروجٌ من قول أهل المِلَّة.

وإذ صَحَّ أن حكم كلّ آية من آي القرآن كانَ لازمًا النبيَّ صلى الله عليه وسلم اتباعُه والعملُ به، مؤلَّفة كانت إلى غيرها أو غيرَ مؤلَّفة -صحّ ما قال ابن عباس في تأويل قوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أنه يعني به: فإذا بيَّناه لك بقراءتنا، فاتبع ما بيناه لك بقراءتنا- دون قول من قال: معناه، فإذا ألَّفناه فاتَّبع ما ألفناه.

وقد قيل إن قول الشاعر:

ضَحَّوْا بِأَشْمَطَ عُنْوانُ السُّجُودِ بِه ... يُقَطِّع الَّليلَ تَسْبِيحًا وقُرْآنَا (١)

يعني به قائله: تسبيحًا وقراءةٌ.

فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يسمى "قرآنًا" بمعنى القراءة، وإنما هو مقروء؟

قيل: كما جاز أن يسمى المكتوب "كتابًا"، بمعنى: كتاب الكاتب، كما قال الشاعر في صفة كتاب طَلاقٍ كتبه لامرأته:

تُؤَمِّل رَجْعةً مِنّى، وفيها ... كِتابٌ مثلَ ما لَصِق الغِرَاءُ (٢)


(١) البيت لحسان بن ثابت، ديوانه: ٤١٠، وضحى: ذبح شاته ضحى النحر، وهي الأضحية. واستعاره حسان لمقتل عثمان في ذي الحجة سنة ٣٥، رضي الله عنهما. والعنوان: الأثر الذي يظهر فتستدل به على الشيء.
(٢) لم أجد هذا البيت في شيء من المراجع التي بين يدي. وتنصب "مثل" على أنه بيان لحال المفعول المطلق المحذوف، وتقديره: "كتاب لاصق لصوقًا مثل ما لصق الغراء"

<<  <  ج: ص:  >  >>