للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ربه، وأداء فرائضه؛ فذلك من السرف، وأن يترك الأكل وله إليه سبيل حتى يضعف ذلك جسمه وينهك قواه ويضعفه عن أداء فرائض ربه؛ فذلك من الإقتار وبين ذلك القوام على هذا النحو، كل ما جانس ما ذكرنا، فأما اتخاذ الثوب للجمال يلبسه عند اجتماعه مع الناس، وحضوره المحافل والجمع والأعياد دون ثوب مهنته، أو أكله من الطعام ما قوّاه على عبادة ربه، مما ارتفع عما قد يسدّ الجوع، مما هو دونه من الأغذية، غير أنه لا يعين البدن على القيام لله بالواجب معونته، فذلك خارج عن معنى الإسراف، بل ذلك من القوام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ببعض ذلك، وحضّ على بعضه، كقوله: "مَا عَلى أحَدِكُمْ لَوْ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ: ثَوْبًا لِمِهْنَتِهِ، وَثَوْبًا لجُمْعَتِهِ وَعِيدِه"وكقوله: "إذَا أنْعَمَ اللهُ عَلَى عبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَهَا عَلَيْهِ" وما أشبه ذلك من الأخبار التي قد بيَّناها في مواضعها.

وأما قوله: (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) فإنه النفقة بالعدل والمعروف على ما قد بيَّنا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن أبي سليمان، عن وهب بن منبه، في قوله: (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) قال: الشطر من أموالهم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) النفقة بالحقّ.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) قال: القوام: أن ينفقوا في طاعة الله، ويمسكوا عن محارم الله.

قال: أخبرني إبراهيم بن نشيط، عن عمر مولى غُفْرة، قال: قلت له: ما القوام؟ قال: القوام: أن لا تنفق في غير حقّ، ولا تمسك عن حقّ هو عليك. والقوام في كلام العرب، بفتح القاف، وهو الشيء بين الشيئين. تقول للمرأة المعتدلة الخلق: إنها لحسنة القوام في اعتدالها، كما قال الحطيئة:

طَافَتْ أُمَامَةُ بالرُّكْبانِ آونَةً ... يا حُسْنَهُ مِنْ قَوَام ما وَمُنْتَقَبا (١)


(١) البيت للحطيئة: وآونة: جمع أوان. والقوام: حسن الطول. والمنتقب: مصدر ميمي بمعنى الانتقاب. يقول: إن أمامة كانت أحيانًا تطوف بالركبان، فما أعدل قوامها، وأحسن نقبتها. والنقاب: ما وضع على مارن الأنف من أغطية الوجه. والنقبة: هيئة الانتقاب به، يقال: إن فلانة لحسنة النقبة. ويكون معنى القوام كذلك: الشيء الوسط بين الشيئين. وقد حمل عليه المؤلف معنى البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>