فأما إذا كسرت القاف فقلت: إنه قِوام أهله، فإنه يعني به: أن به يقوم أمرهم وشأنهم. وفيه لغات أُخَر، يقال منه: هو قيام أهله وقيّمهم في معنى قوامهم. فمعنى الكلام: وكان إنفاقهم بين الإسراف والإقتار قواما معتدلا لا مجاوزة عن حد الله، ولا تقصيرا عما فرضه الله، ولكن عدلا بين ذلك على ما أباحه جلّ ثناؤه، وأذن فيه ورخص.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله:(وَلَمْ يَقْتُرُوا) فقرأته عامة قرّاء المدينة"ولمْ يُقْتروا" بضم الياء وكسر التاء من أقتر يَقْتِر. وقرأته عامة قرّاء الكوفيين (وَلَمْ يَقْتُرُوا) بفتح الياء وضم التاء من قتر يَقْتُر. وقرأته عامة قرّاء البصرة"وَلمْ يَقْتِروا"بفتح الياء وكسر التاء من قتر يَقْتِر.
والصواب من القول في ذلك، أن كل هذه القراءات على اختلاف ألفاظها لغات مشهورات في العرب، وقراءات مستفيضات وفي قرّاء الأمصار بمعنى واحد، فبأيتها قرأ القارئ فمصيب.
وقد بيَّنا معنى الإسراف والإقتار بشواهدهما فيما مضى في كتابنا في كلام العرب، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وفي نصب القَوام وجهان: أحدهما ما ذكرت، وهو أن يجعل في كان اسم الإنفاق بمعنى: وكان إنفاقهم ما أنفقوا بين ذلك قواما: أي عدلا والآخر أن يجعل بين هو الاسم، فتكون وإن كانت في اللفظة نصبا في معنى رفع، كما يقال: كان دون هذا لك كافيا، يعني به: أقلّ من هذا كان لك كافيا، فكذلك يكون في قوله:(وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) لأن معناه: وكان الوسط من ذلك قواما.