للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذ كان ذلك تأويله، فمعنى الكلام: الذين آتيناهم الكتاب، يا محمد من أهل التوراة الذين آمنوا بك وبما جئتهم به من الحق من عندي، يتبعون كتابي الذي أنزلته على رسولي موسى صلوات الله عليه، فيؤمنون به ويقرون بما فيه من نعتك وصفتك، وأنك رسولي، فرضٌ عليهم طاعتي في الإيمان بك والتصديق بما جئتهم به من عندي، ويعملون بما أحللت لهم، ويجتنبون ما حرمت عليهم فيه، ولا يحرفونه عن مواضعه ولا يبدلونه ولا يغيرونه - كما أنزلته عليهم - بتأويل ولا غيره.

* * *

أما قوله: (حق تلاوته) ، فمبالغة في صفة اتباعهم الكتاب ولزومهم العمل به، كما يقال:"إن فلانا لعالم حق عالم"، وكما يقال:"إن فلانا لفاضل كل فاضل" (١)

* * *

وقد اختلف أهل العربية في إضافة"حق" إلى المعرفة، فقال بعض نحويي الكوفة: غير جائزة إضافته إلى معرفة لأنه بمعنى"أي"، وبمعنى قولك:"أفضل رجل فلان"، و"أفعل" لا يضاف إلى واحد معرفة، لأنه مبعض، ولا يكون الواحد المبعض معرفة. فأحالوا أن يقال:"مررت بالرجل حق الرجل"، و"مررت بالرجل جِدِّ الرجل"، كما أحالوا"مررت بالرجل أي الرجل"، وأجازوا ذلك في"كل الرجل" و"عين الرجل" و"نفس الرجل". (٢) وقالوا: إنما أجزنا ذلك لأن هذه الحروف كانت في الأصل توكيدا، فلما صرن مدوحا، تركن مدوحا على أصولهن في المعرفة.

وزعموا أن قوله: (يتلونه حق تلاوته) ، إنما جازت إضافته إلى التلاوة، وهي مضافة إلى معرفة، لأن العرب تعتد ب"الهاء" -إذا عادت إلى نكرة - بالنكرة، فيقولون:"مررت برجل واحد أمه، ونسيج وحده، وسيد قومه"، قالوا: فكذلك قوله: (حق تلاوته) ، إنما جازت إضافة"حق" إلى"التلاوة" وهي مضافة إلى


(١) انظر سيبويه ١: ٢٢٣ - ٢٢٤.
(٢) في المطبوعة"غير الرجل".

<<  <  ج: ص:  >  >>