رأسه إلا لحاجة منها، ثم يقع ساجدا يبكي، ثم يدعو حتى نبت العشب من دموع عينيه. قال: فأوحى الله إليه بعد أربعين يوما: يا داود ارفع رأسك، فقد غفرت لك، فقال: يا رب كيف أعلم أنك قد غفرت لي وأنت حكم عدل لا تحيف في القضاء، إذا جاءك أهريا يوم القيامة آخذا رأسه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه دما فى قبل عرشك يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ قال: فأوحى إليه: إذا كان ذلك دعوت أهريا فأستوهبك منه، فيهبك لي، فأثيبه بذلك الجنة، قال: رب الآن علمت أنك قد غفرت لي، قال: فما استطاع أن يملأ عينيه من السماء حياء من ربه حتى قبض صلى الله عليه وسلم.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: ثني عطاء الخراساني، قال: نقش داود خطيئته في كفه لكيلا ينساها، قال: فكان إذا رآها خفقت يده واضطربت.
وقال آخرون: بل كان ذلك لعارض كان عرض في نفسه من ظن أنه يطيق أن يتم يوما لا يصيب فيه حوبة، فابتُلي بالفتنة التي ابتُلي بها في اليوم الذي طمع في نفسه بإتمامه بغير إصابة ذنب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن مطر، عن الحسن: إن داود جَزَّأ الدهر أربعة أجزاء: يوما لنسائه، ويوما لعبادته، ويوما لقضاء بني إسرائيل، ويوما لبني إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه، ويبكيهم ويبكونه; فلما كان يوم بني إسرائيل قال: ذكروا فقالوا: هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا؟ فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك; فلما كان يوم عبادته، أغلق أبوابه، وأمر أن لا يدخل عليه أحد، وأكب على التوراة; فبينما هو يقرؤها، فإذا حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن، قد وقعت بين يديه، فأهوى إليها ليأخذها، قال: فطارت، فوقعت غير بعيد، من غير أن تُؤيسه من نفسها، قال: فما زال يتبعها حتى أشرف على امرأة تغتسل، فأعجبه خَلْقها وحُسنها; قال: فلما رأت ظله في الأرض، جللت نفسها بشعرها، فزاده ذلك أيضا إعجابا بها، وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه، فكتب إليه أن يسير إلى مكان كذا وكذا، مكان إذا سار إليه لم يرجع، قال: ففعل، فأصيب فخطبها فتزوجها. قال: وقال قتادة: بلغنا إنها أم سليمان، قال: فبينما هو في المحراب، إذ