للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو أقرأ بتسميتي اللهَ، أو أقوم وأقعد بتسميتي اللهَ وذكرِه - لا أنه يعني بقِيلِه "بسم الله": أقوم بالله، أو أقرأ بالله، فيكونَ قولُ القائل: أقرأ بالله، أو أقوم أو أقعد بالله - أولى بوجه الصواب في ذلك من قوله "بسم الله".

فإن قال: فإن كان الأمر في ذلك على ما وصفتَ، فكيف قيل: "بسم الله" وقد علمتَ أنّ الاسم اسمٌ، وأن التسمية مصدرٌ من قولك سَمَّيت؟

قيل: إن العربَ قد تخرج المصادرَ مبهمةً على أسماء مختلفة، كقولهم: أكرمتُ فلانًا كرامةً، وإنما بناءُ مصدر "أفعلتُ" - إذا أخرج على فعله - "الإفعالُ". وكقولهم: أهنت فلانًا هَوانًا، وكلّمته كلامًا. وبناء مصدر: "فعَّلت" التفعيل. ومن ذلك قول الشاعر:

أَكُفْرًا بعد رَدِّ المَوْتِ عَنِّي ... وبعد عَطَائِكَ المِئَةَ الرِّتَاعَا (١)

يريد: إعطائك. ومنه قول الآخر:

وَإن كانَ هذا البُخْلُ منْك سَجيةً ... لقد كُنْتُ في طَولِي رَجَاءكَ أَشْعَبَا (٢)

يريد: في إطالتي رجاءك. ومنه قول الآخر:

أَظُلَيْمُ إن مُصَابَكم رَجُلا ... أَهْدَى السّلامَ تحيَّةً ظُلْمُ (٣)

يريد: إصابتكم. والشواهد في هذا المعنى تكثُرُ، وفيما ذكرنا كفاية، لمن وُفِّق لفهمه.


(١) الشعر للقطامي ديوانه: ٤١، ويأتي في تفسير آية سورة يوسف: ١٢ (ج ١٢ ص ٩٤ بولاق) . يقول لزفر بن الحارث الكلابي، وكان أسره في حرب، فمن عليه وأعطاه مئة من الإبل، ورد عليه ماله. يقول: أأكفر بما وليتني، وقد أعطيت ما أعطيت. والعطاء بمعنى الإعطاء، ولذلك نصب به "المئة". والرتاع جمع راتع: يعني الإبل ترتع في مرعى خصيب تذهب فيه وتجيء.
(٢) لم أجد البيت. وأشعب: الطماع الذي يضرب به المثل في الطمع المستعر.
(٣) الشعر للحارث بن خالد المخزومي، الأغاني ٩: ٢٢٥- ٢٢٦، وهذا البيت الذي من أجله أشخص الواثق إليه أبا عثمان المازني النحوي، وله قصة. انظر الأغاني ٩: ٢٣٤ وغيره، وفي المطبوعة: "أظلوم"، والصواب من المخطوطة، والأغاني وأمالي الشجري ١: ١٠٧ وغيرها. وهذه الشواهد السالفة استشهاد من الطبري على أن الأسماء تقوم مقام المصادر فتعمل عملها في النصب. وظليم: هي أم عمران، زوجة عبد الله بن مطيع، وكان الحارث ينسب بها، فلما مات زوجها تزوجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>