للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذْ كان الأمر - على ما وصفنا، من إخراج العرب مصادرَ الأفعال على غير بناء أفعالها - كثيرًا، وكان تصديرها إياها على مخارج الأسماء موجودًا فاشيًا (١) ، فبيِّنٌ بذلك صوابُ ما قلنا من التأويل في قول القائل "بسم الله"، أن معناه في ذلك عند ابتدائه في فعل أو قول: أبدأ بتسمية الله، قبل فعلي، أو قبل قولي.

وكذلك معنى قول القائل عند ابتدائه بتلاوة القرآن: "بسم الله الرحمن الرحيم"، إنما معناه: أقرأ مبتدئًا بتسمية الله، أو أبتدئ قراءتي بتسمية الله. فجُعِل "الاسمُ" مكان التسمية، كما جُعل الكلامُ مكان التكليم، والعطاءُ مكان الإعطاء.

وبمثل الذي قلنا من التأويل في ذلك، رُوِي الخبر عن عبد الله بن عباس.

١٣٩ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عُمَارة، قال: حدثنا أبو رَوْق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: أوّل ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: "يا محمد، قل: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم"، ثم قال: "قل: بسم الله الرحمن الرحيم".

قال ابن عباس: "بسم الله"، يقول له جبريلُ: يا محمد، اقرأ بذكر الله ربِّك، وقم واقعد بذكر الله. (٢)

وهذا التأويل من ابن عباس ينبئ عن صحة ما قلنا - من أنه يراد بقول القائل مفتتحًا قراءته: "بسم الله الرحمن الرحيم": أقرأ بتسمية الله وذكره، وأفتتح القراءة بتسمية الله، بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَى - ويوضح فسادَ قول من زعم أن معنى ذلك من قائله: بالله الرحمن الرحيم أوّلِ كلِّ شيء (٣) ، مع أن العباد


(١) أراد بقوله: "تصديرها": أي جعلها مصادر تصدر عنها صوادر الأفعال، وذلك كقولك: ذهب ذهابًا، فذهب صدرت عن قولك "ذهاب"، ويعمل عندئذ عمل الفعل. وعنى أنهم يخرجون المصدر على وزن الاسم فيعمل عمله، كقولك "الكلام" هو اسم ما تتكلم به، ولكنهم قالوا: كلمته كلامًا، فوضعوه موضع التكليم، وأخرجوا من "كلم" مصدرًا على وزن اسم ما تتكلم به، وهو الكلام، فكان المصدر: "كلامًا".
(٢) الحديث ١٣٩- مضى هذا الخبر وتخريجه، برقم ١٣٧.
(٣) قوله: "يوضح" ساقطة من المطبوعة. وفيها مكان: "أول كل. . . "، "في كل. . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>