للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثناؤه: ما فعلتُ إلا لنعلم ما علمه غَيركم- أيها المشركون المنكرون علمي بما هو كائن من الأشياء قبل كونه-: أنّي عالم بما هو كائن مما لم يكن بعد. (١)

فكأن معنى قائلي هذا القول في تأويل قوله:"إلا لنعلم": إلا لنبيّن لكم أنّا نعلمُ من يَتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه. وهذا وإن كان وَجهًا له مَخرج، فبعيدٌ من المفهوم.

* * *

وقال آخرون: إنما قيل:"إلا لنعلم"، وهو بذلك عالم قبل كونه وفي كل حال، على وجه الترفّق بعباده، واستمالتهم إلى طاعته، (٢) كما قال جل ثناؤه: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣) [سورة سبأ: ٢٤] ، وقد علم أنه على هدى، وأنهم على ضلال مبين، ولكنه رَفقَ بهم في الخطاب، فلم يقل: أنّا على هدى، وأنتم على ضلال. فكذلك قوله:"إلا لنعلم"، معناه عندهم: إلا لتعلموا أنتم، إذ كنتم جُهالا به قبل أن يكونَ. فأضاف العلم إلى نفسه، رفقًا بخطابهم.

* * *

وقد بيَّنا القول الذي هو أوْلى في ذلك بالحقّ.

* * *

وأما قوله:"مَنْ يتَّبع الرسول". فإنه يعني: الذي يتبع محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما يأمره الله به، فيوجِّه نحو الوَجه الذي يتوَجَّه نحوه محمد صلى الله عليه وسلم.

* * *


(١) كان في المطبوعة: "إلا لنعلم ما عندكم. . . " وهذا يجعل الجملة غير مستقيمة، غير مفهومة المعنى. ورأيت أن سياق الكلام قبله يدل على أن ذلك كما أثبت، فإن المؤمنين علموا أن قومًا سيرتدون إذا حولت القبلة، وأنكر اليهود والمنافقون أن يكون ذلك كائنًا. فاقتضى السياق أن يكون التأويل جامعًا لهذا العلم من هؤلاء، وذلك الإنكار من أولئك. ثم جاء الطبري بعبارة تصحح ما ذهبت إليه في قوله: "إلا لنبين لكم أننا نعلم". فكأن معنى الآية عند قائل هذا القول: ما جعلنا القبلة التي كنت عليها، وإلا للعلم بأننا نعلم من يتبع الرسول. . .
(٢) في المطبوعة: "على وجه الترفيق بعباده"، وهو خطأ.
(٣) كان في الأصل: "قل الله" أول الآية المستشهد بها، فآثرت إتمامها.

<<  <  ج: ص:  >  >>