وأما قوله:"ممن يَنقلب على عَقبيه"، فإنه يعني: من الذي يرتدُّ عن دينه، فينافق، أو يكفر، أو مخالف محمدًا صلى الله عليه وسلم في ذلك، ممن يظهر اتِّباعه، كما:-
٢٢٠٩- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"وما جَعلنا القبلةَ التي كنتَ عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" قال، مَنْ إذا دخلتْه شُبهة رجع عن الله، وانقلب كافرًا على عَقبيه.
* * *
وأصل"المرتد على عقبيه"، هو:"المنقلب على عقبيه"، الراجع مستدبرًا في الطريق الذي قد كان قطعه، منصرفًا عنه. فقيل ذلك لكل راجع عن أمر كان فيه، من دين أو خير. ومن ذلك قوله:(فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا)[سورة الكهف: ٦٤] ، بمعنى: رَجعا في الطريق الذي كانا سَلكاه، وإنما قيل للمرتد:"مرتد"، لرجوعه عن دينه وملته التي كان عليها.
وإنما قيل:"رجع عَلى عقبيه"، لرجوعه دُبُرًا على عَقبه، إلى الوجه الذي كان فيه بدء سيره قبل مَرْجعه عنه. فيجعل ذلك مثلا لكل تارك أمرًا وآخذٍ آخرَ غيره، إذا انصرف عما كان فيه، إلى الذي كان له تاركًا فأخذه. فقيل:"ارتد فلان على عَقِبه، وانقلب على عَقبيه".
* * *
القول في تأويل قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}
قال أبو جعفر: اختلف أهلُ التأويل في التي وصفها الله جل وعز بأنها كانت"كبيرة إلا على الذين هَدى الله".