للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد أبان تأويلُ من ذكرنا تأويلَه من أهل التأويل قوله:"إلا الذين ظلموا منهم"، عن صحّة ما قلنا في تأويله، وأنه استثناءٌ على مَعنى الاستثناء المعروف، الذي ثبتَ فيهم لما بعدَ حرف الاستثناء ما كان منفيًّا عما قبله. (١) كما قولُ القائل (٢) "ما سَارَ من الناس أحدٌ إلا أخوك"، إثباتٌ للأخ من السير ما هو مَنفيٌّ عن كل أحد من الناس. فكذلك قوله:"لئلا يكونَ للناس عليكم حُجة إلا الذين ظلموا منهم"، نَفى عن أن يكون لأحد خُصومةٌ وجدلٌ قِبَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوى باطلٍ عليه وعَلى أصحابه، بسبب توجُّههم في صلاتهم قبل الكعبة - إلا الذين ظلموا أنفسهم من قريش، فإن لهم قبلهم خصومةً ودعوى باطلا بأن يقولوا: (٣) إنما توجهتم إلينا وإلى قبلتنا، لأنا كنا أهدى منكم سبيلا وأنكم كنتم بتوجهكم نحو بيت المقدس على ضلال وباطل.

وإذ كان ذلك معنى الآية بإجماع الحجة من أهل التأويل، فبيِّنٌ خطأُ قول من زعم أن معنى قوله:"إلا الذين ظلموا منهم": ولا الذين ظلموا منهم، وأن"إلا" بمعنى"الواو". (٤) لأن ذلك لو كان معناه، لكان النفيُ الأول عن جميع الناس - أنْ يكون لهم حُجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تحوُّلهم نحو الكعبة بوجوههم - مبيِّنًا عن المعنى المراد، ولم يكن في ذكر قوله بعد ذلك:"إلا الذين ظَلموا منهم" إلا التلبيس الذي يتعالى عن أن يُضافَ إليه أو يوصف به. (٥)

هذا مع خروج معنى الكلام =إذا وجّهت"وإلا" إلى معنى"الواو"، ومعنى


(١) في المطبوعة: "الذي يثبت فيهم لما بعد حرف الاستثناء ما كان منفيًا عما قبلهم"، وهو خطأ صرف، والصواب ما في المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: "كما أن قول القائل"، زادوا"أن" لتكون دارجة على نهجهم، والصواب ما في المخطوطة.
(٣) في المطبوعة: "ودعوى باطلة" في الموضعين. وانظر ما سلف: ٢٠١ تعليق: ٣.
(٤) زاعم هذا القول هو أبو عبيدة في مجاز القرآن: ٦٠-٦١، وانظر معاني القرآن للفراء ١: ٨٩-٩٠.
(٥) رد الطبري على أبي عبيدة أمثل من رد الفراء وأقوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>