للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من "فَعِل يفعَل" - أشدُّ عدولا من قوله "الرّحيم". ولا خلاف مع ذلك بينهم، أنّ كل اسم كان له أصل في "فَعِلَ يفعَل" - ثم كان عن أصله من "فَعِل يفعَلُ" أشد عدولا - أنّ الموصوف به مفضَّل على الموصوف بالاسم المبني على أصله من "فَعِل يفعَل"، إذا كانت التسمية به مدحًا أو ذمًّا. فهذا ما في قول القائل "الرحمن"، من زيادة المعنى على قوله "الرحيم" في اللغة.

وأما من جهة الأثر والخبر، ففيه بين أهل التأويل اختلاف:-

١٤٦ - فحدثني السري بن يحيى التميمي، قال: حدثنا عثمان بن زفر، قال: سمعت العَرْزَمي يقول: "الرحمن الرحيم"، قال: الرحمن بجميع الخلق، الرّحيم، قال: بالمؤمنين. (١)

١٤٧ - حدثنا إسماعيل بن الفضل، قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي مُليكة، عمن حدثه، عن ابن مسعود - ومسعر بن كدام، عن عطية العَوفي، عن أبي سعيد - يعني الخدريّ - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ عيسى ابن مريم قال: الرحمن رَحمنُ الآخرة والدنيا، والرحيم رحيمُ الآخرة". (٢)

فهذان الخبران قد أنبآ عن فرق ما بين تسمية الله جل ثناؤه باسمه الذي هو "رحمن"، وتسميته باسمه الذي هو "رحيم"، واختلاف معنى الكلمتين - وإن اختلفا في معنى ذلك الفرق، فدلّ أحدهما على أنّ ذلك في الدنيا، ودلّ الآخر على أنه في الآخرة.

فإن قال: فأي هذين التأويلين أولى عندك بالصحة؟


(١) الأثر ١٤٦- نقله ابن كثير في التفسير ١: ٤٠ عن هذا الموضع. و "السري بن يحيى ابن السري التميمي الكوفي"، شيخ الطبري، لم نجد له ترجمة إلا في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٢٨٥، وقال: "لم يقض لنا السماع منه، وكتب إلينا بشيء من حديثه، وكان صدوقًا". و "العرزمي" المرويُّ عنه هذا الكلام هنا: ضعيف جدا، قال الإمام أحمد في المسند ٦٩٣٨: "لا يساوي حديثه شيئًا". وهو "محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي". وأما عمه "عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي"، فإنه تابعي ثقة، ولكنه قديم، مات سنة ١٤٥، فلم يدركه "عثمان بن زفر" المتوفى سنة ٢١٨. و "العرزمي" بفتح العين المهملة وسكون الراء وبعدها زاي، نسبة إلى "عرزم". ووقع هنا في الطبري وابن كثير "العرزمي"، بتقديم الزاي على الراء، وهو تصحيف.
(٢) الحديث ١٤٧- هذا إسناد ضعيف، بل إسنادان ضعيفان، كما فصلنا فيما مضى: ١٤٠، ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>